الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

واستفيد من هذا الحكم النبوي عدة أحكام

الحكم الأول : أن اللعان يصح من كل زوجين ، سواء كانا مسلمين أو كافرين ، عدلين أو فاسقين ، محدودين في قذف أو غير محدودين أو أحدهما ، كذلك قال الإمام أحمد في رواية إسحاق بن منصور : جميع الأزواج يلتعنون ؛ الحر من الحرة والأمة إذا كانت زوجة ، والعبد من الحرة والأمة إذا كانت زوجة ، والمسلم من اليهودية والنصرانية ، وهذا قول مالك وإسحاق ، وقول سعيد بن المسيب والحسن وربيعة وسليمان بن يسار .

وذهب أهل الرأي والأوزاعي والثوري وجماعة إلى أن اللعان لا يكون إلا بين زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف ، وهو رواية عن أحمد .

ومأخذ القولين أن اللعان يجمع وصفين : اليمين والشهادة ، وقد سماه [ ص: 324 ] الله سبحانه شهادة ، وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا حيث يقول : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " فمن غلب عليه حكم الأيمان قال : يصح من كل من يصح يمينه ، قالوا : ولعموم قوله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ) قالوا : وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينا .

قالوا : ولأنه مفتقر إلى اسم الله وإلى ذكر القسم المؤكد وجوابه .

قالوا : ولأنه يستوي فيه الذكر والأنثى بخلاف الشهادة .

قالوا : ولو كان شهادة لما تكرر لفظه ، بخلاف اليمين فإنه قد يشرع فيها التكرار ، كأيمان القسامة .

قالوا : ولأن حاجة الزوج التي لا تصح منه الشهادة إلى اللعان ونفي الولد ، كحاجة من تصح شهادته سواء ، والأمر الذي ينزل به مما يدعو إلى اللعان كالذي ينزل بالعدل الحر ، والشريعة لا ترفع ضرر أحد النوعين وتجعل له فرجا ومخرجا مما نزل به ، وتدع النوع الآخر في الآصار والأغلال لا فرج له مما نزل به ولا مخرج ، بل يستغيث فلا يغاث ، ويستجير فلا يجار ، إن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثله ، قد ضاقت عنه الرحمة التي وسعت من تصح شهادته ، وهذا تأباه الشريعة الواسعة الحنيفية السمحة .

قال الآخرون : قال الله تعالى : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ) وفي الآية دليل من ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه سبحانه استثنى أنفسهم من الشهداء ، وهذا استثناء متصل قطعا ، ولهذا جاء مرفوعا .

والثاني : أنه صرح بأن التعانهم شهادة ، ثم زاد سبحانه هذا بيانا فقال : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين )

والثالث : أنه جعله بدلا من الشهود ، وقائما مقامهم عند عدمهم .

قالوا : وقد روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا لعان بين مملوكين ولا كافرين ) ذكره أبو عمر بن عبد البر في " التمهيد " . [ ص: 325 ]

وذكر الدارقطني من حديثه أيضا عن أبيه عن جده مرفوعا : ( أربعة ليس بينهم لعان ؛ ليس بين الحر والأمة لعان ، وليس بين الحرة والعبد لعان ، وليس بين المسلم واليهودية لعان ، وليس بين المسلم والنصرانية لعان )

وذكر عبد الرزاق في " مصنفه " عن ابن شهاب قال : من وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعتاب بن أسيد : أن لا لعان بين أربع . فذكر معناه .

قالوا : ولأن اللعان جعل بدل الشهادة ، وقائما مقامها عند عدمها ، فلا يصح إلا ممن تصح منه ، ولهذا تحد المرأة بلعان الزوج ونكولها تنزيلا للعانه منزلة أربعة شهود .

قالوا : وأما الحديث : ( لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن ) فالمحفوظ فيه :" لولا ما مضى من كتاب الله " هذا لفظ البخاري في " صحيحه " .

وأما قوله : " لولا ما مضى من الأيمان " فمن رواية عباد بن منصور ، وقد تكلم فيه غير واحد . قال يحيى بن معين : ليس بشيء . وقال علي بن الحسين بن الجنيد الرازي : متروك قدري . وقال النسائي : ضعيف .

وقد استقرت قاعدة الشريعة أن البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، والزوج هاهنا مدع ، فلعانه شهادة ، ولو كان يمينا لم تشرع في جانبه .

قال الأولون: أما تسميته شهادة فلقول الملتعن في يمينه : أشهد بالله ، فسمي بذلك شهادة ، وإن كان يمينا اعتبارا بلفظها .

قالوا : وكيف وهو مصرح فيه [ ص: 326 ] بالقسم وجوابه ، وكذلك لو قال : أشهد بالله انعقدت يمينه بذلك ، سواء نوى اليمين أو أطلق ، والعرب تعد ذلك يمينا في لغتها واستعمالها . قال قيس :


فأشهد عند الله أني أحبها فهذا لها عندي فما عندها ليا

وفي هذا حجة لمن قال : إن قوله " أشهد " تنعقد به اليمين ، ولو لم يقل "بالله" كما هو إحدى الروايتين عن أحمد . والثانية : لا يكون يمينا إلا بالنية ، وهو قول الأكثرين . كما أن قوله : أشهد بالله ، يمين عند الأكثرين بمطلقه .

قالوا : وأما استثناؤه سبحانه أنفسهم من الشهداء فيقال :

أولا : " إلا " هاهنا : صفة بمعنى "غير" والمعنى : ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم ، فإن " غير " و " وإلا " يتعاوضان الوصفية والاستثناء فيستثنى بـ " غير " حملا على " إلا " ويوصف بـ " إلا " حملا على " غير " .

ويقال ثانيا : إن " أنفسهم " مستثنى من الشهداء ، ولكن يجوز أن يكون منقطعا على لغة بني تميم ، فإنهم يبدلون في الانقطاع كما يبدل أهل الحجاز وهم في الاتصال .

ويقال ثالثا : إنما استثنى " أنفسهم " من الشهداء ؛ لأنه نزلهم منزلتهم في قبول قولهم ، وهذا قوي جدا على قول من يرجم المرأة بالتعان الزوج إذا نكلت وهو الصحيح ، كما يأتي تقريره إن شاء الله تعالى . والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين ؛ اليمين والشهادة ، فهو شهادة مؤكدة بالقسم والتكرار ، ويمين مغلظة بلفظ الشهادة والتكرار ؛ لاقتضاء الحال تأكيد الأمر ، ولهذا اعتبر فيه من التأكيد عشرة أنواع .

أحدها : ذكر لفظ الشهادة .

[ ص: 327 ] الثاني : ذكر القسم بأحد أسماء الرب سبحانه وأجمعها لمعاني أسمائه الحسنى ، وهو اسم الله جل ذكره .

الثالث : تأكيد الجواب بما يؤكد به المقسم عليه من " إن واللام " وإتيانه باسم الفاعل الذي هو صادق وكاذب دون الفعل الذي هو صدق وكذب .

الرابع : تكرار ذلك أربع مرات .

الخامس : دعاؤه على نفسه في الخامسة بلعنة الله إن كان من الكاذبين .

السادس : إخباره عند الخامسة أنها الموجبة لعذاب الله ، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة .

السابع : جعل لعانه مقتض لحصول العذاب عليها ، وهو إما الحد أو الحبس ، وجعل لعانها دارئا للعذاب عنها .

الثامن : أن هذا اللعان يوجب العذاب على أحدهما ، إما في الدنيا وإما في الآخرة .

التاسع : التفريق بين المتلاعنين وخراب بيتها وكسرها بالفراق .

العاشر : تأبيد تلك الفرقة ودوام التحريم بينهما ، فلما كان شأن هذا اللعان هذا الشأن جعل يمينا مقرونا بالشهادة ، وشهادة مقرونة باليمين ، وجعل الملتعن لقبول قوله كالشاهد ، فإن نكلت المرأة مضت شهادته وحدت ، وأفادت شهادته ويمينه شيئين ؛ سقوط الحد عنه ، ووجوبه عليها . وإن التعنت المرأة وعارضت لعانه بلعان آخر منها أفاد لعانه سقوط الحد عنه دون وجوبه عليها ، فكان شهادة ويمينا بالنسبة إليه دونها ؛ لأنه إن كان يمينا محضة فهي لا تحد بمجرد حلفه ، وإن كان شهادة فلا تحد بمجرد شهادته عليها وحده . فإذا انضم إلى ذلك نكولها قوي جانب الشهادة واليمين في حقه بتأكده ونكولها ، فكان دليلا ظاهرا على صدقه ، فأسقط الحد عنه وأوجبه عليها ، وهذا أحسن ما يكون من الحكم ، ومن أحسن [ ص: 328 ] من الله حكما لقوم يوقنون . وقد ظهر بهذا أنه يمين فيها معنى الشهادة ، وشهادة فيها معنى اليمين .

وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، فما أبين دلالته لو كان صحيحا بوصوله إلى عمرو ، ولكن في طريقه إلى عمرو مهالك ومفاوز . قال أبو عمر بن عبد البر : ليس دون عمرو بن شعيب من يحتج به .

وأما حديثه الآخر الذي رواه الدارقطني ، فعلى طريق الحديث عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي وهو متروك بإجماعهم ، فالطريق به مقطوعة .

وأما حديث عبد الرزاق ، فمراسيل الزهري عندهم ضعيفة ، لا يحتج بها ، وعتاب بن أسيد كان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم على مكة ، ولم يكن بمكة يهودي ولا نصراني البتة حتى يوصيه أن لا يلاعن بينهما .

قالوا : وأما ردكم لقوله : ( لولا ما مضى من الأيمان لكان لي ولها شأن ) وهو حديث رواه أبو داود في " سننه " وإسناده لا بأس به ، وأما تعلقكم فيه على عباد بن منصور فأكثر ما عيب عليه أنه قدري داعية إلى القدر ، وهذا لا يوجب رد حديثه ، ففي الصحيح الاحتجاج بجماعة من القدرية والمرجئة والشيعة ، ممن علم صدقه ، ولا تنافي بين قوله : " لولا ما مضى من كتاب الله تعالى " , و " لولا ما مضى من الأيمان " فيحتاج إلى ترجيح أحد اللفظين وتقديمه على الآخر ، بل [ ص: 329 ] الأيمان المذكورة هي في كتاب الله ، وكتاب الله تعالى حكمه الذي حكم به بين المتلاعنين ، وأراد صلى الله عليه وسلم لولا ما مضى من حكم الله الذي فصل بين المتلاعنين لكان لها شأن آخر .

قالوا : وأما قولكم : إن قاعدة الشريعة استقرت على أن الشهادة في جانب المدعي واليمين في جانب المدعى عليه فجوابه من وجوه :

أحدها : أن الشريعة لم تستقر على هذا ، بل قد استقرت في القسامة بأن يبدأ بأيمان المدعين ، وهذا لقوة جانبهم باللوث ، وقاعدة الشريعة أن اليمين تكون من جنبة أقوى المتداعيين ، فلما كان جانب المدعى عليه قويا بالبراءة الأصلية شرعت اليمين في جانبه ، فلما قوي جانب المدعي في القسامة باللوث كانت اليمين في جانبه ، وكذلك على الصحيح لما قوي جانبه بالنكول صارت اليمين في جانبه ، فيقال له : احلف واستحق ، وهذا من كمال حكمة الشارع واقتضائه للمصالح بحسب الإمكان ، ولو شرعت اليمين من جانب واحد دائما لذهبت قوة الجانب الراجح هدرا ، وحكمة الشارع تأبى ذلك ، فالذي جاء به هو غاية الحكمة والمصلحة .

وإذا عرف هذا ، فجانب الزوج هاهنا أقوى من جانبها ، فإن المرأة تنكر زناها وتبهته ، والزوج ليس له غرض في هتك حرمته وإفساد فراشه ونسبة أهله إلى الفجور ، بل ذلك أشوش عليه وأكره شيء إليه ، فكان هذا لوثا ظاهرا ، فإذا انضاف إليه نكول المرأة قوي الأمر جدا في قلوب الناس خاصهم وعامهم ، فاستقل ذلك بثبوت حكم الزنى عليها شرعا ، فحدت بلعانه ، ولكن لما لم تكن أيمانه بمنزلة الشهداء الأربعة حقيقة كان لها أن تعارضها بأيمان أخرى مثلها يدرأ عنها بها العذاب ؛ عذاب الحد المذكور في قوله تعالى : ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) [ النور : 2 ] ولو كان لعانه بينة حقيقة لما دفعت أيمانها عنها شيئا ، وهذا يتضح بالفصل الثاني المستفاد من قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أن المرأة إذا لم تلتعن فهل تحد أو تحبس حتى تقر أو تلاعن ؟ فيه قولان للفقهاء :

فقال الشافعي وجماعة من السلف والخلف : تحد ، وهو قول أهل الحجاز . [ ص: 330 ]

وقال أحمد : تحبس حتى تقر أو تلاعن ، وهو قول أهل العراق . وعنه رواية ثانية : لا تحبس ويخلى سبيلها .

قال أهل العراق ومن وافقهم : لو كان لعان الرجل بينة توجب الحد عليها لم تملك إسقاطه باللعان وتكذيب البينة كما لو شهد عليها أربعة .

قالوا : ولأنه لو شهد عليها مع ثلاثة غيره لم تحد بهذه الشهادة ، فلأن لا تحد بشهادته وحده أولى وأحرى .

قالوا : ولأنه أحد المتلاعنين ، فلا يوجب حد الآخر كما لم يوجب لعانها حده .

قالوا : وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البينة على المدعي ) ولا ريب أن الزوج هاهنا مدع .

قالوا : ولأن موجب لعانه إسقاط الحد عن نفسه لا إيجاب الحد عليها ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( البينة وإلا حد في ظهرك ) فإن موجب قذف الزوج كموجب قذف الأجنبي وهو الحد ، فجعل الله سبحانه له طريقا إلى التخلص منه باللعان ، وجعل طريق إقامة الحد على المرأة أحد أمرين ؛ إما أربعة شهود ، أو اعتراف ، أو الحبل عند من يحد به من الصحابة ، كعمر بن الخطاب ومن وافقه ، وقد قال عمر بن الخطاب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( والرجم واجب على كل من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنا إذا قامت بينة أو كان الحبل أو الاعتراف ) ، وكذلك قال علي رضي الله عنه ، فجعلا طريق الحد ثلاثة لم يجعلا فيها اللعان .

قالوا : وأيضا فهذه لم يتحقق زناها فلا يجب عليها الحد ؛ لأن تحقق زناها [ ص: 331 ] إما أن يكون بلعان الزوج وحده ، لأنه لو تحقق به لم يسقط بلعانها الحد ، ولما وجب بعد ذلك حد على قاذفها ، ولا يجوز أن يتحقق بنكولها أيضا ؛ لأن الحد لا يثبت بالنكول ، فإن الحد يدرأ بالشبهات فكيف يجب بالنكول ، فإن النكول يحتمل أن يكون لشدة خفرها أو لعقلة لسانها ، أو لدهشها في ذلك المقام الفاضح المخزي ، أو لغير ذلك من الأسباب ، فكيف يثبت الحد الذي اعتبر في بينته من العدد ضعف ما اعتبر في سائر الحدود ، وفي إقراره أربع مرات بالسنة الصحيحة الصريحة ، واعتبر في كل من الإقرار والبينة أن يتضمن وصف الفعل ، والتصريح به مبالغة في الستر ، ودفعا لإثبات الحد بأبلغ الطرق وآكدها ، وتوسلا إلى إسقاط الحد بأدنى شبهة ، فكيف يجوز أن يقضى فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضى به في شيء من الحدود والعقوبات البتة ، ولا فيما عدا الأموال ؟ .

قالوا : والشافعي رحمه الله تعالى لا يرى القضاء بالنكول في درهم فما دونه ولا في أدنى تعزير ، فكيف يقضى به في أعظم الأمور وأبعدها ثبوتا وأسرعها سقوطا ؟ ولأنها لو أقرت بلسانها ثم رجعت لم يجب عليها الحد ، فلأن لا يجب بمجرد امتناعها من اليمين على براءتها أولى ، وإذا ظهر أنه لا تأثير لواحد منهما في تحقق زناها لم يجز أن يقال بتحققه بهما لوجهين .

أحدهما : أن ما في كل واحد منهما من الشبهة لا يزول بضم أحدهما إلى الآخر ، كشهادة مائة فاسق ، فإن احتمال نكولها لفرط حيائها ، وهيبة ذلك المقام والجمع ، وشدة الخفر ، وعجزها عن النطق ، وعقلة لسانها ، لا يزول بلعان الزوج ولا بنكولها .

الثاني : أن ما لا يقضى فيه باليمين المفردة لا يقضى فيه باليمين مع النكول كسائر الحقوق .

قالوا : وأما قوله تعالى : ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد ) فالعذاب هاهنا [ ص: 332 ] يجوز أن يراد به الحد ، وأن يراد به الحبس والعقوبة المطلوبة ، فلا يتعين إرادة الحد به ، فإن الدال على المطلق لا يدل على المقيد إلا بدليل من خارج ، وأدنى درجات ذلك الاحتمال ، فلا يثبت الحد مع قيامه ، وقد يرجح هذا بما تقدم من قول عمر وعلي رضي الله عنهما : ( إن الحد إنما يكون بالبينة أو الاعتراف أو الحبل )

ثم اختلف هؤلاء فيما يصنع بها إذا لم تلاعن ، فقال أحمد : إذا أبت المرأة أن تلتعن بعد التعان الرجل أجبرتها عليه وهبت أن أحكم عليها بالرجم ؛ لأنها لو أقرت بلسانها لم أرجمها إذا رجعت ، فكيف إذا أبت اللعان ؟ وعنه رحمه الله تعالى رواية ثانية : يخلى سبيلها ، اختارها أبو بكر ؛ لأنها لا يجب عليها الحد ، فيجب تخلية سبيلها كما لو لم تكمل البينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية