ما في أن الإنجيل المسيح قال للحواريين : أنا أذهب وسيأتيكم البارقليط روح الحق ، لا يتكلم من قبل نفسه ، إنما هو كما يقال له ، وهو يشهد لي وأنتم تشهدون ، لأنكم معي من قبل الناس ، وكل شيء أعده الله لكم يخبركم به .
وفي إنجيل يوحنا : البارقليط لا يجيئكم ما لم أذهب ، وإذا جاء وبخ العالم على الخطيئة ، ولا يقول من تلقاء نفسه ، ولكنه مما يسمع به يكلمكم ويسوسكم بالحق ، ويخبركم بالحوادث والغيوب .
وفي موضع آخر : إني سائل أبي أن يبعث إليكم بارقليطا آخر يكون معلم الأبد ، وهو يعلمكم كل شيء .
وفي موضع آخر : ابن البشر ذاهب ، والبارقليط من بعده يجيء لكم بالأسرار ، ويفسر [ ص: 324 ] لكم كل شيء ، وهو يشهد لي كما شهدت له ، فإني أجيئكم بالأمثال وهو يأتيكم بالتأويل .
قال : وهذه الأشياء على اختلافها متقاربة ، وإنما اختلفت لأن من نقلها عن أبو محمد بن قتيبة المسيح صلى الله عليه وسلم في الإنجيل من الحواريين بعده ، والبارقليط في لغتهم من ألفاظ الحمد ، إما أحمد أو محمد أو محمود أو حامد ونحو ذلك . . . وهو في الإنجيل الحبشي : برفقطيس .
وفي موضع آخر : إن كنتم تحبوني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الأب أن يعطيكم بارقليطا آخر يثبت معكم إلى الأبد ، ويتكلم بروح الحق الذي لم يطق العالم أن يقبلوه لأنهم لم يعرفوه ، ولست أدعكم أيتاما لأني سآتيكم عن قريب .
وفي موضع آخر : من يحبني بحفظ كلمتي يحبه وإليه يأت وعنده يتخذ المنزل ، كلمتكم بهذا لأني لست عندكم مقيما ، والبارقليط روح الحق الذي يرسله أبي ، وهو يعلمكم كل شيء ، وهو يذكركم كل ما قلت لكم ، استودعتكم سلامي ، لا تقلق قلوبكم ، ولا تجزعوا ، فإني منطلق وعائد إليكم ، لو كنتم تحبوني كنتم تفرحون بمضيي إلى أبي ، فإن ثبت كلامي فيكم كان لكم كل ما تريدون .
وفي موضع آخر : إذا جاء البارقليط الذي أبي يرسله روح الحق الذي من أبي يشهد لي ما قلت لكم حتى إذا كان تؤمنوا ولا تشكوا فيه .
[ ص: 325 ] وفي موضع آخر : إن لي كلاما كثيرا أريد أن أقوله لكم ، ولكنكم لا تستطيعون حمله ، لكن إذا جاء روح الحق ، ذاك يرشدكم إلى جميع الحق ، لأنه ليس ينطق من عنده بل يتكلم بما يسمع ، ويخبركم بكل ما يأتي ، ويعرفكم جميع ما للأب . قال يوحنا : قال المسيح : إن أركون العالم سيأتي وليس لي شيء . وقال متى : قال المسيح : ألم يروا أن الحجر الذي أخر البناءون صار رأسا للزاوية من عند الله ، كان هذا وهو عجيب في أعيننا ، ومن أجل ذلك أقول لكم : إن ملكوت الله سيؤخذ منكم ، ويدفع إلى أمة أخرى تأكل ثمرتها ، ومن يسقط على هذا الحجر ينشدح ، وكل من سقط عليه يمحق .
وقد اختلف في البارقليط في لغتهم ، يعني العبرانية ، فذكروا فيه أقوالا ترجع إلى ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الحامد والحمد كما تقدم ، ورجحت طائفة هذا القول ، وقالوا : الذي يقوم عليه البرهان في لغتهم أنه الحمد . والدليل عليه في قول يوشع : من عمل حسنة يكون له فارقليط جيد : أي حمد جيد .
والقول الثاني : وعليه أكثر النصارى - أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه [ ص: 326 ] المخلص ، وهذه كلمة سريانية معناها المخلص ، قالوا : وهو بالسريانية فاروق ، فجعل ( فارق ) ، قالوا : و ( ليط ) كلمة تزاد ، ومعناها كقول العرب : رجل هو ، وحجر هو ، وفرس هو . قالوا : فكذلك معنى ليط في السريانية .
والقول الثالث : وقالت طائفة أخرى من النصارى : معناه بالسريانية المعزي ، قالوا : وكذلك هو في اللسان اليوناني . ويعترض على هذين القولين بأن المسيح لم تكن لغته سريانية - ولا يونانية بل عبرانية - ، وأجيب عن هذا بأنه يتكلم بالعبرانية ، والإنجيل إنما نزل باللغة العبرانية ، وترجم عليه باللغة السريانية والرومية واليونانية وغيرها .
وأكثر النصارى على أنه المخلص ، والمسيح نفسه يسمونه المخلص ، وفي الإنجيل الذي بأيديهم أنه قال : إنما أتيت لأخلص العالم .
والنصارى يقولون في صلاتهم : لقد ولدت لنا مخلصا .