قوله : ( ثم رضي الله عنه ) . ش : أي : ونثبت لعلي بن أبي طالب عثمان لعلي رضي الله عنهما . لما قتل الخلافة بعد عثمان وبايع الناس عليا صار إماما حقا واجب الطاعة ، وهو الخليفة في زمانه خلافة نبوة ، كما دل عليه حديث سفينة المقدم ذكره ، أنه قال : [ ص: 722 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : . خلافة النبوة ثلاثون سنة ، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء
وكانت خلافة سنتين وثلاثة أشهر ، وخلافة أبي بكر الصديق عمر عشر سنين ونصفا ، وخلافة عثمان اثنتي عشرة سنة ، وخلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر ، وخلافة الحسن ابنه ستة أشهر .
وأول ملوك المسلمين معاوية رضي الله عنه ، وهو خير ملوك المسلمين ، لكنه إنما صار إماما حقا لما فوض إليه الحسن بن علي رضي الله عنهم الخلافة ، فإن الحسن رضي الله عنه بايعه أهل العراق بعد موت أبيه ، ثم بعد ستة أشهر فوض الأمر إلى معاوية ، فظهر صدق قول النبي صلى الله عليه وسلم : إن ابني هذا سيد ، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين . والقصة معروفة في موضعها .
فالخلافة ثبتت لأمير المؤمنين رضي الله عنه بعد علي بن أبي طالب عثمان رضي الله عنه ، بمبايعة الصحابة ، سوى معاوية مع أهل الشام .
[ ص: 723 ] والحق مع علي رضي الله عنه ، فإن عثمان رضي الله عنه لما قتل كثر الكذب والافتراء على عثمان وعلى من كان بالمدينة من أكابر الصحابة كعلي وطلحة والزبير ، وعظمت الشبهة عند من لم يعرف الحال ، وقويت الشهوة في نفوس ذوي الأهواء والأغراض ، ممن بعدت داره من أهل الشام ، ومحبي عثمان تظن بالأكابر ظنون سوء ، وبلغ عنهم أخبارا ، منها ما هو كذب ، ومنها ما هو محرف ، ومنها ما لم يعرف وجهه ، وانضم إلى ذلك أهواء قوم يحبون العلو في الأرض . وكان في عسكر علي رضي الله عنه - من أولئك الطغاة الخوارج ، الذين قتلوا عثمان - من لم يعرف بعينه ، ومن تنتصر له قبيلته ، ومن لم تقم عليه حجة بما فعله ، ومن في قلبه نفاق لم يتمكن من إظهاره كله ، ورأى طلحة والزبير أنه إن لم ينتصر للشهيد المظلوم ، ويقمع أهل الفساد والعدوان ، وإلا استوجبوا غضب الله وعقابه . فجرت فتنة الجمل على غير اختيار من علي ، ولا من طلحة والزبير ، وإنما أثارها المفسدون بغير اختيار السابقين ، ثم جرت لرأي ، وهو أن أهل فتنة صفين الشام لم يعدل عليهم ، أو لا يتمكن من العدل عليهم - وهم كافون ، حتى يجتمع أمر الأمة ، وأنهم يخافون طغيان من في [ ص: 724 ] العسكر ، كما طغوا على الشهيد المظلوم ، وعلي رضي الله عنه هو الخليفة الراشد المهدي الذي تجب طاعته ، ويجب أن يكون الناس مجتمعين عليه ، اعتقد أن الطاعة والجماعة الواجبتين عليهم تحصل بقتالهم ، بطلب الواجب عليهم ، بما اعتقد أنه يحصل به أداء الواجب ، ولم يعتقد أن التأليف لهم كتأليف المؤلفة قلوبهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده مما يسوغ ، فحمله ما رآه - من أن الدين إقامة الحد عليهم ومنعهم من الإثارة ، دون تأليفهم - : على القتال ، وقعد عن القتال أكثر الأكابر ، لما سمعوه من النصوص في الأمر بالقعود في الفتنة ، ولما رأوه من الفتنة التي تربو مفسدتها على مصلحتها . ونقول في الجميع بالحسنى : ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم [ الحشر : 10 ] .
والفتن التي كانت في أيامه قد صان الله عنها أيدينا ، فنسأل الله [ ص: 725 ] أن يصون عنها ألسنتنا ، بمنه وكرمه .
ومن فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما في الصحيحين ، عن رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص لعلي : هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي . وقال صلى الله عليه وسلم يوم أنت مني بمنزلة خيبر : عليا ، فأتي به [ ص: 726 ] ، فبصق في عينيه ، ودفع أرمد إليه ، ففتح الله عليه الراية . لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، قال : فتطاولنا لها ، فقال : ادعوا لي
فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم [ آل عمران : 61 ] ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، فقال : اللهم هؤلاء أهلي . ولما نزلت هذه الآية :