وقوله " بلا كيفية " أي : لا تعرف كيفية تكلمه به قولا ليس بالمجاز ، وأنزله على رسوله وحيا ، أي : أنزله إليه على لسان الملك ، فسمعه الملك
جبريل من الله ، وسمعه الرسول صلى الله عليه وسلم من الملك ،
[ ص: 196 ] وقرأه على الناس . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ( الإسراء : 106 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك لتكون من المنذرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بلسان عربي مبين ( الشعراء : 195 ) . وفي ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29640إثبات صفة العلو لله تعالى .
وقد أورد على ذلك أن إنزال القرآن نظير إنزال المطر ، و إنزال الحديد ، وإنزال ثمانية أزواج من الأنعام .
والجواب : أن
nindex.php?page=treesubj&link=20754_28860إنزال القرآن فيه مذكور أنه إنزال من الله . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ( غافر : 1 - 2 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ( الزمر : 1 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تنزيل من الرحمن الرحيم ( فصلت : 2 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42تنزيل من حكيم حميد . وقال تعالى : ( فصلت : 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فيها يفرق كل أمر حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين ( الدخان : 53 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما أتبعه إن كنتم صادقين ( القصص : 49 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ( الأنعام : 114 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قل نزله روح القدس من ربك بالحق ( النحل : 102 ) . وإنزال المطر مقيد بأنه منزل من السماء . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48أنزلنا من السماء ماء طهورا ( الرعد : 17 ) . والسماء : العلو . وقد جاء في مكان آخر أنه منزل من المزن ، والمزن : السحاب . وفي مكان آخر أنه منزل من المعصرات . وإنزال الحديد والأنعام مطلق ، فكيف يشتبه هذا الإنزال
[ ص: 197 ] بهذا الإنزال ، وهذا الإنزال بهذا الإنزال ؟ ! فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال ، وهي عالية على الأرض ، وقد قيل : إنه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود . والأنعام تخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث ، ولهذا يقال : أنزل ولم ينزل ثم الأجنة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض . ومن المعلوم أن الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء ، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى ، وتلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سفل . وعلى هذا فيحتمل قوله ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وأنزل لكم من الأنعام ( الزمر : 6 ) : وجهين : أحدهما ، أن تكون ( من ) لبيان الجنس . الثاني : أن تكون ( من ) لابتداء الغاية . وهذان الوجهان يحتملان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا ( الشورى : 11 )
وقوله : " وصدقه المؤمنون على ذلك حقا " الإشارة إلى ما ذكره من التكلم به على الوجه المذكور وإنزاله ، أي : هذا قول الصحابة والتابعين لهم بإحسان ، وهم السلف الصالح ، وأن هذا حق وصدق .
وَقَوْلُهُ " بِلَا كَيْفِيَّةٍ " أَيْ : لَا تُعْرَفُ كَيْفِيَّةُ تَكَلُّمِهِ بِهِ قَوْلًا لَيْسَ بِالْمَجَازِ ، وَأَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَحْيًا ، أَيْ : أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ ، فَسَمِعَهُ الْمَلَكُ
جِبْرِيلُ مِنَ اللَّهِ ، وَسَمِعَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَلَكِ ،
[ ص: 196 ] وَقَرَأَهُ عَلَى النَّاسِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=106وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ( الْإِسْرَاءِ : 106 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=195بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ( الشُّعَرَاءِ : 195 ) . وَفِي ذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29640إِثْبَاتُ صِفَةِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ تَعَالَى .
وَقَدْ أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِنْزَالَ الْقُرْآنِ نَظِيرُ إِنْزَالِ الْمَطَرِ ، وَ إِنْزَالِ الْحَدِيدِ ، وَإِنْزَالِ ثَمَانِيَةِ أَزْوَاجٍ مِنَ الْأَنْعَامِ .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20754_28860إِنْزَالَ الْقُرْآنِ فِيهِ مَذْكُورٌ أَنَّهُ إِنْزَالٌ مِنَ اللَّهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=1حم nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=2تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ( غَافِرٍ : 1 - 2 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ( الزُّمَرِ : 1 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=2تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( فُصِّلَتْ : 2 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ . وَقَالَ تَعَالَى : ( فُصِّلَتْ : 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=3إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=4فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=5أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( الدُّخَانِ : 53 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=49فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( الْقَصَصِ : 49 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=114وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ( الْأَنْعَامِ : 114 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ( النَّحْلِ : 102 ) . وَإِنْزَالُ الْمَطَرِ مُقَيَّدٌ بِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=48أَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ( الرَّعْدِ : 17 ) . وَالسَّمَاءُ : الْعُلُوُّ . وَقَدْ جَاءَ فِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُزْنِ ، وَالْمُزْنُ : السَّحَابُ . وَفِي مَكَانٍ آخَرَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنَ الْمُعْصِرَاتِ . وَإِنْزَالُ الْحَدِيدِ وَالْأَنْعَامِ مُطْلَقٌ ، فَكَيْفَ يَشْتَبِهُ هَذَا الْإِنْزَالُ
[ ص: 197 ] بِهَذَا الْإِنْزَالِ ، وَهَذَا الْإِنْزَالُ بِهَذَا الْإِنْزَالِ ؟ ! فَالْحَدِيدُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْمَعَادِنِ الَّتِي فِي الْجِبَالِ ، وَهِيَ عَالِيَةٌ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ كُلَّمَا كَانَ مَعْدِنُهُ أَعْلَى كَانَ حَدِيدُهُ أَجْوَدَ . وَالْأَنْعَامُ تُخْلَقُ بِالتَّوَالُدِ الْمُسْتَلْزِمِ إِنْزَالَ الذُّكُورِ الْمَاءَ مِنْ أَصْلَابِهَا إِلَى أَرْحَامِ الْإِنَاثِ ، وَلِهَذَا يُقَالُ : أَنْزَلَ وَلَمْ يُنْزِلْ ثُمَّ الْأَجِنَّةُ تَنْزِلُ مِنْ بُطُونِ الْأُمَّهَاتِ إِلَى وَجْهِ الْأَرْضِ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَنْعَامَ تَعْلُو فُحُولُهَا إِنَاثَهَا عِنْدَ الْوَطْءِ ، وَيَنْزِلُ مَاءُ الْفَحْلِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى رَحِمِ الْأُنْثَى ، وَتُلْقِي وَلَدَهَا عِنْدَ الْوِلَادَةِ مِنْ عُلْوٍ إِلَى سُفْلٍ . وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=6وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ( الزُّمَرِ : 6 ) : وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا ، أَنْ تَكُونَ ( مِنْ ) لِبَيَانِ الْجِنْسِ . الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ ( مِنْ ) لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ . وَهَذَانَ الْوَجْهَانِ يُحْتَمَلَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ( الشُّورَى : 11 )
وَقَوْلُهُ : " وَصَدَّقَهُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى ذَلِكَ حَقًّا " الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْزَالِهِ ، أَيْ : هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَهُمُ السَّلَفُ الصَّالِحُ ، وَأَنَّ هَذَا حَقٌّ وَصِدْقٌ .