ذكر تلبيس إبليس في السماع وغيره
عن أبي عبد الله الرملي قال في جامع أبو حمزة طرسوس فقبلوه فبينا هو ذات يوم يتكلم إذ صاح غراب على سطح الجامع فزعق وقال لبيك لبيك فنسبوه إلى الزندقة وقالوا حلولي زنديق وبيع فرسه بالمناداة على باب الجامع هذا فرس الزنديق. أبو حمزة وبإسناد إلى تكلم أبي بكر الفرغاني أنه قال كان إذا سمع شيئا يقول لبيك لبيك فأطلقوا عليه أنه حلولي، ثم قال أبو حمزة وإنما جعله داعيا من الحق أيقظه للذكر، وعن أبو علي أبي علي الروزباري قال أطلق على أنه حلولي وذلك أنه كان إذا سمع صوتا مثل هبوب الرياح وخرير الماء وصياح الطيور كان يصيح ويقول: لبيك لبيك فرموه بالحلول. قال أبي حمزة السراج وبلغني عن أنه دخل دار أبي حمزة فصاحت الشاة ماع فشهق الحارث المحاسبي شهقة وقال: لبيك يا سيدي فغضب أبو حمزة وعمد إلى سكين وقال: إن لم تتب من هذا الذي أنت فيه أذبحك. قال الحارث المحاسبي إذا أنت لم تحسن تسمع هذا الذي أنا فيه فلم تأكل النخالة بالرماد. أبو حمزة
وقال السراج: وأنكر جماعة من العلماء على أبي سعيد أحمد بن عيسى الخراط ونسبوه إلى الكفر بألفاظ وجدوها في كتاب صنفه وهو كتاب السر ومنه قوله: عبد طائع ما أذن له فلزم التعظيم لله فقدس الله نفسه. قال وأبو العباس أحمد بن عطاء نسب إلى الكفر والزندقة قال وكم من مرة قد أخذ الجنيد مع علمه وشهد عليه بالكفر والزندقة وكذلك أكثرهم. وقال السراج ذكر عن أبي بكرة محمد بن موسى الفرغاني الواسطي أنه قال: من ذكر افترى ومن صبر اجترى وإياك أن تلاحظ حبيبا أو كليما أو خليلا وأنت تجد إلى ملاحظة الحق سبيلا. فقيل [ ص: 165 ] له: أو لا أصلي عليهم. قال صل عليهم بلا وقار ولا تجعل لها في قلبك مقدارا. قال السراج: وبلغني أن جماعة من الحلوليين زعموا أن الحق عز وجل اصطفى أجساما حل فيها بمعاني الربوبية وأزال عنها معاني البشرية، ومنهم من قال بالنظر إلى الشواهد المستحسنات، ومنهم من قال حال في المستحسنات قال وبلغني عن جماعة من أهل الشام أنهم يدعون الرؤية بالقلوب في الدنيا كالرؤية بالعيان في الآخرة. قال السراج: وبلغني أن أبا الحسين النوري شهد عليه غلام الخليل أنه سمعه يقول: أنا أعشق الله عز وجل وهو يعشقني، فقال النوري سمعت الله يقول: ( يحبهم ويحبونه ) وليس العشق بأكثر من المحبة. قال وقد القاضي أبو يعلى: ذهبت الحلولية إلى أن الله عز وجل يعشق.
قال المصنف: وهذا جهل من ثلاثة أوجه: أحدها من حيث الاسم فإن العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح. والثاني أن صفات الله عز وجل منقولة فهو يحب ولا يقال يعشق ويحب ولا يقال يعشق كما يقال يعلم ولا يقال يعرف. والثالث من أين له أن الله تعالى يحبه فهذه دعوى بلا دليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال إني في الجنة فهو في النار".
وعن حكى عن أبي عبد الرحمن السلمي عمرو المكي أنه قال: كنت أماشي في بعض أزقة مكة وكنت أقرأ القرآن فسمع قراءتي فقال يمكنني أن أقول مثل هذا ففارقته. وعن الحسين بن منصور محمد بن يحيى الرازي قال سمعت يلعن الحلاج ويقول لو قدرت عليه لقتلته بيدي. فقلت بأي شيء وجد عليه الشيخ؟ فقال قرأت آية من كتاب الله عز وجل فقال يمكنني أن أقول أو أؤلف مثله وأتكلم به. وبإسناد عن عمرو بن عثمان أبي القاسم الرازي يقول قال أبو بكر بن ممشاد قال حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة فما كان يفارقها لا بالليل ولا بالنهار، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان فوجه إلى بغداد فأحضر وعرض عليه فقال: هذا خطي وأنا كتبته. فقالوا كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية. فقال ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا هل الكاتب إلى الله تعالى واليد فيه آلة. فقيل له هل معك أحد؟ فقال: نعم ابن عطاء ، وأبو محمد الجريري ، وأبو بكر الشبلي ، وأبو محمد الجريري يتستر والشبلي يتستر [ ص: 166 ] فإن كان فابن عطاء فأحضر وسئل فقال قائل هذا كافر يقتل من يقول هذا. وسئل الجريري الشبلي فقال من يقول هذا يمنع. وسئل ابن عطاء عن مقالة الحلاج فقال بمقالته وكان سبب قتله. وبإسناد عن قال سمعت ابن باكويه عيسى بن بردل القزويني وقد سئل أبو عبد الله بن خفيف عن معنى هذه الأبيات:
سبحان من أظهر ناسوته سر سنا هوته الثاقب ثم بدا في خلقه ظاهرا
في صورة الآكل والشارب حتى لقد عاينه خلقه
كلحظة الحاجب بالحاجب
قال المصنف: اتفق علماء العصر على الحلاج فأول من قال إنه حلال الدم إباحة دم أبو عمرو القاضي ووافقه العلماء، وإنما سكت عنه أبو العباس سريج قال وقال لا أدري ما يقول والإجماع دليل معصوم من الخطأ. وبإسناد عن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي هريرة "إن الله أجاركم أن تجتمعوا على ضلالة كلكم"، وبإسناد عن أبي القاسم يوسف بن يعقوب النعماني قال سمعت والدي يقول سمعت أبا بكر محمد بن داود الفقيه الأصبهاني يقول: إن كان ما أنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم حقا فما يقول الحلاج باطل وكان شديدا عليه.
قال المصنف: وقد تعصب للحلاج جماعة من الصوفية جهلا منهم وقلة مبالاة [ ص: 167 ] بإجماع الفقهاء. وبإسناد عن محمد بن الحسين النيسابوري قال سمعت إبراهيم بن محمد النصر أبادي كان يقول: إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج قلت وعلى هذا أكثر قصاص زماننا وصوفية وقتنا جهلا من الكل بالشرع وبعدا عن معرفة النقل، وقد جمعت في أخبار الحلاج كتابا بينت فيه حيله ومخاريقه وما قال العلماء فيه والله المعين على قمع الجهال.
وبإسناد عن أبي نعيم الحافظ قال سمعت عمر البنا البغدادي بمكة يحكي أنه لما كانت محنة غلام الخليل ونسبة الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم فأخذ النوري في جماعة فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم فتقدم النوري مبتدرا إلى السياف ليضرب عنقه فقال له السياف: ما دعاك إلى البدار قال آثرت حياة أصحابي على حياتي هذه اللحظة فتوقف السياف فرفع الأمر إلى الخليفة فرد أمرهم إلى قاضي القضاة فأمر بتخليتهم. إسماعيل بن إسحاق
وبإسناد إلى أبي العباس أحمد بن عطاء قال كان يسعى بالصوفية ببغداد غلام الخليل إلى الخليفة فقال ههنا قوم زنادقة فأخذ أبو الحسين النوري ، وأبو حمزة الصوفي ، وأبو بكر الدقاق وجماعة من أقران هؤلاء واستتر الجنيد بن محمد بالفقه على مذهب فأدخلوا إلى الخليفة فأمر بضرب أعناقهم، فأول من بدر أبي ثور أبو الحسين النوري فقال له السياف لم بادرت أنت من بين أصحابك ولم ترع. قال: أحببت أن أوثر أصحابي بالحياة مقدار هذه الساعة فرد الخليفة أمرهم إلى القاضي فأطلقوا.
قال المصنف: ومن أسباب هذه القصة قول النوري أنا أعشق الله والله يعشقني فشهد عليه بهذا ثم تقدم النوري إلى السياف ليقتل إعانة على نفسه فهو خطأ أيضا. وبإسناد عن قال سمعت ابن باكويه أبا عمرو تلميذ الرقي قال سمعت الرقي يقول: كان لنا بيت ضيافة فجاءنا فقير عليه خرقتان يكنى بأبي سليمان فقال: الضيافة فقلت لابني امض به إلى البيت فأقام عندنا تسعة أيام فأكل في كل ثلاثة أيام أكلة فسمته المقام فقال الضيافة ثلاثة أيام فقلت له لا تقطع عنا أخبارك فغاب عنا اثنتي عشرة سنة ثم قدم فقلت من أين؟ فقال رأيت شيخا يقال له أبو شعيب المقفع مبتلى فأقمت عنده أخدمه سنة فوقع في نفسي أن أسأله أي شيء كان أصل بلائه فلما دنوت منه ابتدأني قبل أن أسأله [ ص: 168 ] فقال وما سؤالك عما لا يعنيك. فصبرت حتى تم لي ثلاث سنين. فقال في الثالثة لا بد لك فقلت له إن رأيت فقال بينما أنا أصلي بالليل إذ لاح لي من المحراب نور فقلت اخسأ يا ملعون فإن ربي عز وجل غني عن أن يبرز للخلق ثلاث مرات قال ثم سمعت نداء من المحراب يا أبا شعيب فقلت لبيك فقال تحب أن أقبضك في وقتك أو نجازيك على ما مضى لك أو نبتليك ببلاء نرفعك به في عليين فاخترت البلاء فسقطت عيناي ويداي ورجلاي قال فمكثت أخدمه تمام اثنتي عشرة سنة فقال يوما من الأيام ادن مني فدنوت منه فسمعت أعضاءه يخاطب بعضها بعضا ابرز حتى برزت أعضاؤه كلها بين يديه وهو يسبح ويقدس ثم مات.
قال المصنف: وهذه الحكاية توهم أن الرجل رأى الله عز وجل فلما أنكر عوقب، وقد ذكرنا أن قوما يقولون إن الله عز وجل يرى في الدنيا، وقد حكى أبو القاسم عبد الله بن أحمد البلخي في كتاب المقالات قال قد حكى قوم من المشبهة أنهم وأنهم لا ينكرون أن يكون بعض من تلقاهم في السكك، وإن قوما يجيزون مع ذلك مصافحته وملازمته وملامسته ويدعون أنهم يزورونه ويزورهم وهم يسمون يجيزون رؤية الله تعالى بالأبصار في الدنيا بالعراق أصحاب الباطن وأصحاب الوساوس وأصحاب الخطرات.
قال المصنف وهذا فوق القبيح نعوذ بالله من الخذلان.