[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي سلم ميزان العدل إلى أكف ذوي الألباب. وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين بالثواب، والعقاب. وأنزل عليهم الكتب مبينة للخطإ، والصواب، وجعل الشرائع كاملة لا نقص فيها ولا عاب. أحمده حمد من يعلم أنه مسبب الأسباب. وأشهد بوحدانيته شهادة مخلص في نيته غير مرتاب. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله، وقد سدل الكفر على وجه الإيمان الحجاب. فنسخ الظلام بنور الهدى، وكشف النقاب. وبين للناس ما أنزل إليهم، وأوضح مشكلات الكتاب، وتركهم على المحجة البيضاء لا سرب فيها ولا سراب. فصلى الله عليه وعلى جميع الآل وكل الأصحاب. وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والحساب. وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، والسبب الذي يتوصل به إلى تصديق الرسل، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد; بعث الرسل، وأنزلت الكتب. فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين; فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس. ولما ثبت عند العقل أقوال الأنبياء الصادقة بدلائل المعجزات الخارقة، سلم إليهم، واعتمد فيما يخفى عنه عليهم. فإن أعظم النعم على الإنسان العقل; لأنه الآلة في معرفة الإله سبحانه،
ولما أنعم الله على هذا العالم الإنسي بالعقل، افتتحه الله بنبوة أبيهم آدم عليه السلام، فكان يعلمهم عن وحي الله عز وجل، فكانوا على الصواب إلى أن انفرد قابيل بهواه فقتل أخاه، ثم تشعبت الأهواء بالناس فشردتهم في بيداء الضلال [ ص: 6 ] حتى عبدوا الأصنام، واختلفوا في العقائد والأفعال اختلافا خالفوا فيه الرسل والعقول، اتباعا لأهوائهم، وميلا إلى عاداتهم، وتقليدا لكبرائهم، فصدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين.