ذكر إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه :
199 - حدثنا قال : ثنا محمد بن أحمد بن الحسن وثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال : ثنا أبو عمرو بن حمدان قالا : ثنا الحسن بن سفيان مسروق بن المرزبان الكندي قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، رضي الله عنهما قال : حدثني ابن عباس حديثه من فيه إلي قال : سلمان كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها " جي " وكان أبي دهقان قريته ، وكنت من [ ص: 259 ] أحب الخلق إليه ، فمن حبه إياي حبسني في بيت كما تحبس الجارية ، وكنت قد اجتهدت في دار المجوسية حتى كنت قطن النار أوقدها ، لا أتركها تخبو ساعة ، اجتهادا في ديني ، وكان لأبي ضيعة في بعض عمله ، وكان يعالج بنيانا له في داره ، فدعاني فقال : أي بني إنه قد شغلني بنياني كما ترى ، فانطلق إلى ضيعتي هذه ولا تحتبس عني ، فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي ومن كل شيء ، وشغلتني عن كل شيء من أمري ، قال : فخرجت أريد الضيعة التي بعثني إليها قال : فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم وهم يصلون ، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ماذا يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ، ورغبت في أمرهم ، وقلت : هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي ، فلم آتها ، ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام ، قال : ثم رجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، فشغلته عن عمله كما قال ، فلما جئته قال : يا بني أين كنت ؟ ألم أكن أعهد إليك ما عهدت ؟ قال : قلت : يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم ، فأعجبني ما رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ، قال : أي بني ليس في ذلك خير بل دينك ودين آبائك خير ، قلت : كلا والله ، إنه لخير من ديننا ، قال : فخافني ؛ ، فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيت ، قال : وبعثت إلى النصارى فقلت : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني ، قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى ، قال : فأخبروني ، قال : قلت : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا [ ص: 260 ] الرجعة إلى بلادهم فآذنوني ، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أعلموني بهم ، قال : فألقيت الحديد عن رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام ، فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة ، قال : فجئته فقلت له : إني قد رغبت في هذا الدين ، وأكون معك أخدمك في كنيستك ، وأتعلم منك ، وأصلي معك ، قال : فافعل ، فادخل ، فدخلت معه قال : وكان رجل سوء يأمر بالصدقة ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا له شيئا منها اكتنزه لنفسه ، ولم يعط المساكين شيئا ، فأعلمتهم بذلك بعد موته ، فقالوا لي : وما علمك بذلك ؟ قلت : أنا أدلكم على كنزه ، فقالوا لي : دلنا عليه ، قال : فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا ، فلما رأوها قالوا : لا والله لا ندفنه ، فصلبوه ، ثم رموه بالحجارة ، ثم جاؤوا برجل آخر ، قال : فجعلوه مكانه .
قال : يقول فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه ، قال : فحببته حبا لم أحب شيئا كان مثله ، فأقمت معه زمانا ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت : يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحب شيئا كان قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه ، لقد هلك الناس وبدلوا كثيرا مما كانوا عليه إلا رجلا سلمان : بالموصل وهو فلان ، وهو على ما كنت عليه ، فالحق به ، قال : فلما غيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت : يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك ، وأخبرني أنك على أمره ، فقال : أقم عندي قال : فأقمت عنده ، فوجدته خير [ ص: 261 ] رجل على أمر صاحبه ، قال : فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى من توصي بي ؟ قال : إني والله ما أعلم رجلا على ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان ، فالحق به ، فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين ، فجئته فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي ، فقال : أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجدته على أمر صاحبه ، فأقمت معه ، فوجدته خير رجل ، فوالله ما لبث إذ نزل به الموت ، فلما حضرته الوفاة قلت : يا فلان إن فلانا أوصى بي إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني به ؟ قال : يا بني ما أعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فإنه على مثل أمرنا ، فإن أحببت فأته ، فإنه على أمرنا ، قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري ، فقال : أقم ، فأقمت عنده ، فوجدته خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم لم أر أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه قال : ثم اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة ، قال : ثم نزل به أمر الله ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان ، فأوصى بي أن آتي فلانا ، ثم أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وما تأمرني ؟ قال : أي بني والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم الخليل ، يخرج بأرض العرب ، مهاجره إلى أرض بين حرتين ، بها نخل ، به علامات لا تخفى ، يأكل الهدية ولا يأكل [ ص: 262 ] الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد ، فافعل قال : ثم إنه مات وغيب ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ، قال : فأعطيتهم إياها ، وحملوني معهم ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل يهودي عبدا ، فكنت عنده ، ورأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحقق لي في نفسي ، فبينا أنا كذلك إذ قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة ، فابتاعني منه ، فحملني إلى المدينة ، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ، وبعث الله رسوله فأقام بمكة ما أقام ، لا أسمع له بذكر لما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة ، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيها بعض عمله ، وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم له ، فوقف عليه ، فقال : يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن يجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي ، قال : فلما سمعتها أخذتني العروراء حتى ظننت أني ساقط على سيدي ، فلما نزلت عن النخلة ، جعلت أقول لابن عمه ذلك ، ما تقول ؟ قال : فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على عملك ، قلت : لا شيء أردت أن أستثبته مما قال ، فكان عندي شيء قد جمعته ، فلما أمسيت أخذته ، المدينة ، ثم جئته ، فقلت له : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها ، قال : فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه فأكلوا معه ، فقلت في نفسي : هاتان ثنتان ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه ، عليه شملتان له ، هو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم استدبرته أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني استدبرته عرف أني أستثبته في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فانكببت عليه أقبله وأبكي ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : تحول ، فتحولت بين يديه ، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحب أن يسمع ذلك أصحابه ، ثم قال لي : كاتب يا ابن عباس ، فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة بالفقير وبأربعين أوقية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعينوا أخاكم ، فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية ، والرجل بخمسة عشر ، والرجل بقدر ما عنده ، حتى جمعوا ثلاثمائة ودية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب يا سلمان ، ففقرهما ، فإذا فرغت [ ص: 264 ] ، فآذني حتى أكون أنا الذي أضعها بيدي قال : ففقرت لها ، وأعانني أصحابي حتى فرغت ، فجئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها ، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغنا ، فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة ، سلمان فأديت النخل وبقي علي المال ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما ، فعل الفارسي المكاتب ؟ قال : فدعيت له ، فقال : خذ هذه فأدها مما عليك يا ثم [ ص: 263 ] ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه بلغني أنك رجل صالح ، معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، ثم قربته إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ، وأمسك يده فلم يأكل قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة ، ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئا ، ثم تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قال : قلت : فأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال : خذها فإن الله سيؤدي بها عنك ، فوزنت لهم منها والذي نفس سلمان ، بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم وعتق سلمان فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان ، الخندق حرا ، ثم لم يفتني مشهد " . [ ص: 265 ]