الفصل السادس عشر في ذكر ما دار بينه وبين المشركين لما أظهر الدعوة ، وما جرى عليه من أحواله إلى أن هاجر ، وما كان من صبره على بلوى الدعوة واحتمال الأذية وإيراد الآيات والبراهين عليها وكان صلى الله عليه وسلم فيما قاله عروة بن الزبير وابن شهاب ومحمد بن إسحاق اقرأ باسم ربك الذي خلق إلى أن كلف الدعوة وإظهارها فيما أنزل عليه فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين وأنذر عشيرتك الأقربين وقل إني أنا النذير المبين ثلاث سنين ، لا يظهر الدعوة إلا للمختصين به ، منهم : خديجة وأبو بكر وعلي وزيد وغيرهم رضي الله عنهم ، ثم أعلن الدعوة وصدع بها بأمر الله نحو عشر سنين ، فكان عمه من حين أنزل عليه أبو طالب له حاميا ، وعنه دافعا وذابا ، فعظم عليه صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من أجابه إليها البلاء ، واشتد ، ومنعوا من إظهار التوحيد والتصديق ، ويعذبون ويهانون إلى أن أذن الله لهم في هجرة الحبشة ، فكان عثمان بن عفان وجعفر بن أبي طالب ، وأبو سلمة بن عبد الأسد وجماعة كثيرة ، خرجوا إلى النجاشي ، فأحسن مجاورتهم ، وأخرج المشركون عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد [ ص: 266 ] إلى النجاشي ليردهم إلى قريش ، فخيبهم النجاشي ، وردهما خائبين ، وبني هاشم الشعب ، وكتبوا الصحيفة على أن لا يبايعوهم ولا يجامعوهم ، فبقوا محصرين ثلاث سنين ، إلى أن سلط الله عز وجل الأرضة على الصحيفة ، فلحست ما فيها من الجور والظلم ، وكان مع ذلك صلى الله عليه وسلم داعيا إلى الله عز وجل ، فخرجوا من الشعب ، وتوفي فازداد المشركون في الشدة على المسلمين ، وتآمروا في قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أدخلوه أبو طالب ، فلم يكن في عشيرته وأعمامه حام ولا ذاب عنه ، فخرج إلى الطائف يلتمس النصر من عند أخواله بني عبد ياليل ، فلم يقبلوه ، وكان يعرض نفسه في المواسم على قبائل العرب أن يؤووه وينصروه ليبلغ رسالات ربه ، فلم يقبله أحد ، إلى أن قيض الله تعالى له الأنصار ، فبايعوه وأذن لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فانتظر هو صلى الله عليه وسلم ليأذن الله عز وجل له في الهجرة .