وهاهنا فوائد بهذه الاعتراضات :
الفائدة الأولى
اختلفوا بعضها مقدم على البعض إذا أورد أسئلة متعددة ، أم لا يلزمه ذلك ، بل يقدم ما شاء ، ويؤخر ما شاء ؟ هل يلزم المعترض أن يورد الأسئلة مرتبة
فقال جماعة : لا يلزمه الترتيب ، وقال آخرون يلزمه ; لأنه لو جاز إيرادها على أي وجه اتفق ، لأدى إلى التناقض ، كما لو جاء بالمنع بعد المعارضة ، أو بعد النقض ، أو بعد المطالبة فإنه ممتنع ; لأنه منع بعد تسليم ، وإنكار بعد إقرار .
قال : وهذا هو المختار ، وقيل : إن اتحد جنس السؤال كالنقض ، والمعارضة ، والمطالبة ، جاز إيرادها من غير ترتيب ; لأنها بمنزلة سؤال واحد ، فإن تعددت أجناسها ، كالمنع مع المطالبة ، ونحو ذلك ; لم يجز ، وحكاه الآمدي عن أهل الجدل ، وقال : اتفقوا على ذلك ، ونقل عن أكثر الجدليين أنه يقدم المنع ، ثم المعارضة ، ونحوها ، ولا يعكس هذا الترتيب ، وإلا لزم الإنكار بعد الإقرار . الآمدي
وقال جماعة من المحققين منهم : الترتيب المستحسن أن يبدأ بالمطالبات أولا ; لأنه إذا لم يثبت أركان القياس لم يدخل في جملة الأدلة ، ثم بالقوادح; لأنه لا يلزم من كونه على صورة الأدلة أن يكون صحيحا ، ثم إذا بدأ بالمنع ; فالأولى أن يقدم منع وجود الوصف في الفرع ; لأنه دليل الدعوى ، ثم منع ظهوره ، ثم منع انضباطه ، ثم منع كونه علة في الأصل ، فإذا فرغ من المنوع شرع في القوادح ، فيبدأ بالقول الموجب ; لوضوح مأخذه ، ثم بفساد الوضع ، ثم بالقدح في المناسبة ، ثم بالمعارضة .
[ ص: 673 ] وقال الأكثر من القدماء كما حكاه عنهم أبو الحسن السهيلي في " أدب الجدل " : إنه يبدأ بالمنع من الحكم في الأصل ; لأنه إذا كان ممنوعا لم يجب على السائل أن يتكلم على كون الوصف ممنوعا ، أو مسلما ، ولا كون الأصل معللا بتلك العلة ، أو بغيرها ، ثم يطالبه بإثبات الوصف في الفرع ، ثم باطراد العلة ، ثم بتأثيرها ثم بكونه غير فاسد الوضع ، ثم بكونه غير فاسد الاعتبار ، ثم بالقلب ، ثم بالمعارضة .
وقال جماعة من الجدليين ، والأصوليين : إن أول ما يبدأ به الاستفسار ، ثم فساد الاعتبار ، ثم فساد الوضع ، ثم منع حكم الأصل ، ثم منع وجود العلة في الأصل ، ثم منع علية الوصف ، ثم المطالبة ، وعدم التأثير ، والقدح في المناسبة ، والتقسيم ، وعدم ظهور الوصف وانضباطه ، وكون الحكم غير صالح للإفضاء إلى ذلك المقصود ، ثم النقض والكسر ، ثم المعارضة ، والتعدية ، والتركيب ، ثم منع وجود العلة في الفرع ومخالفة حكمه حكم الأصل ، ثم القلب ، ثم القول بالموجب .
وقد قدمنا قول من قال : إن جميع الأسئلة ترجع إلى المنع والمعارضة ، ووجه ذلك أنه متى حصل الجواب عن المنع والمعارضة ، فقد تم الدليل ، وحصل الغرض ، من إثبات المدعي ، ولم يبق للمعترض مجال ، فيكون ما سواهما من الأسئلة باطلا ، فلا يسمع ; لأنه لا يحصل الجواب عن جميع المنوع إلا بإقامة الدليل على جميع المقدمات ، وكذلك لا يحصل الجواب عن المعارضة إلا ببيان انتفاء المعارضة عن جميعها .