الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس ومخاوف كثيرة تعيق عملي وحياتي، فما علاج ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي مشاكل وأفكار كثيرة أثرت على حياتي اليومية والعملية، وتعطلت بسببها، وهي كالآتي:

1- لدي مخاوف وقلق قوي جدًا من العمل، ظهر منذ سنة، كنت موظفًا في إحدى المطاعم، وبراتب جيد، ثم بدأت تراودني فكرة غريبة، وهي أني ربما أقدم طعامًا مسمومًا للناس، أو أتسبب في إيذاء الناس، فبدأت أشعر بالقلق والتوتر، وحاولت مقاومة تلك الوساوس، ولكنها لا تنفك عني، فتركت العمل بسببها، وتلاشت كل مخاوفي تلقائيًا، بعدها أصبحت خائفًا من كل الوظائف والأعمال، بمجرد سماع كلمة عمل، تهاجمني المخاوف والأفكار الوسواسية.

2- لدي أفكار وأوهام تراودني عندما أشتري هاتفًا جديدًا، أو سيارة جديدة، في يوم الشراء تراودني أفكار أن هذه السيارة أو الهاتف قد تكون مراقبة من البائع، أو مسروقة، أو بها مشكلة، وأنا سأتحمل المسؤولية، فأتجنب الشراء لأريح نفسي.

علمًا أني أسعى إلى مقاومة تلك الأفكار، وبعد شراء الشيء بأسبوع، وبعد الاطمئنان تتلاشى المخاوف تلقائيًا، وأعود إلى طبيعتي، وأضحك على سخافة أفكاري، في البداية أصدقها وأعلم أنها غير حقيقية، لكنها وساوس قوية تجبرني على تصديقها ومناقشتها، تعبت من ذلك وتأثرت حياتي.

3- أنا طالب أريد دراسة الماجستير، ولدي مشكلة أثرت على دراستي، وهي: عندما أقرأ أي كتاب، أو أقرأ للدراسة والامتحان، أكرر الكلمات كثيرًا، وأختنق، وأتوتر، فمثلًا: أقرأ السطر الواحد 10 مرات، وأعيد ذلك كل دقيقتين؛ للتأكد منه، وكذلك عندما أرسل أي رسالة لأي شخص، أو أنشر قصة ما، أو منشورًا عامًا، أتأكد منه كثيرًا، وأعيد قراءة ذلك 20 مرة في اليوم.

أرجوكم ما هذه الحالة؟ وهل لها علاج؟ ولماذا أغلبها أفكار مقلقة؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ رائد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

أخي: جزاك الله خيرًا فقد قمت بتوضيح حالتك وشرحتها بصورة واضحة وجلية ودقيقة، وأفكارك مترابطة جدًّا، وأنا أقول لك: أبشر، وهوِّن عليك، كل الذي تعاني منه هو نوع من الأفكار الوسواسية، ووجود القلق والخوف عادة ما يكون مصاحبًا للوسواس، بل نحن نعتبر القلق هو الطاقة المموِّلة، الطاقة التي من خلالها تستشري وتتكون الأفكار الوسواسية، ووجود القلق مع الوسواس هو ظاهرة جيدة جدًّا؛ لأنه يعني أن الإنسان لم يفقد الاستبصار، وأن الإنسان لا يُريد أن يتعايش مع الوسواس.

فهذه ظاهرة جيدة جدًّا؛ لأن بعض الناس تأتيهم الأفكار الوسواسية ولا يقلقون حيالها، ويحاولون التكيف والتواؤم والتأقلم معها -أي معايشتها-، وهذا طبعًا قد يُوصل الإنسان إلى مرحلة مرضية نسميها: (الوسواس القهري مع افتقاد الاستبصار).

أنت -والحمد لله- في كامل استبصارك ووعيك وإدراكك، وأنا أقول لك: العلاج ليس صعبًا، هذا النوع من الوساوس يستجيب بصورة ممتازة للعلاج الدوائي، وهنالك علاجات دوائية كثيرة، علاجات جيدة، علاجات فاعلة وغير إدمانية، وطبعًا بجانب العلاج الدوائي يجب أن تُحقر هذه الأفكار، ويجب ألَّا تسترسل معها، ويجب ألَّا تفصلها أو تحللها؛ لأن الوسواس يستشري ويزداد ويتقوى من خلال الحوار الداخلي.

ولا تخضع هذه الأفكار لأي نوع من المنطق، لأنها ليست منطقية، إنما تحاربها من خلال: أن تُحقرها تمامًا، ألَّا تُناقشها، وأن تصرف انتباهك عنها تمامًا، من خلال الإتيان بأفكار إيجابية، أفكار جيدة تكون مناقضة لهذه الأفكار.

هذا هو الأمر بكل بساطة، وأنت لديك طموحات علمية ممتازة، وتريد تقديم الماجستير، -إن شاء الله تعالى-، وبعلاج هذه الوساوس سوف تجد نفسك في حالة ارتياح نفسي كامل، بدون قلق واختناق وتوتر أبدًا.

من أفضل الأدوية التي أنصحك بها عقار (سيرترالين)، له مسميات تجارية كثيرة، أهمها: (لوسترال)، و(زولفت)، وربما يوجد في بلادكم تحت مسمى تجاري آخر.

الجرعة هي أن تبدأ بجرعة نصف حبة -أي 25 مليجرامًا يوميًا، من الحبة التي تحتوي على 50 مليجرامًا- تناول جرعة البداية هذه لمدة عشرة أيام، وبعد ذلك اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة شهر، ثم اجعلها حبتين يوميًا، وهذه الجرعة العلاجية، وهي 100 مليجرام، وهي الجرعة الوسطية؛ لأن السيرترالين يمكن تناوله حتى 200 مليجرام في اليوم -أي أربع حبات-، لكني لا أراك في حاجة لأكثر من 100 مليجرام، والتي يجب أن تستمر عليها لمدة 4 أشهر على الأقل، وهذه ليست مدة طويلة.

بعد ذلك خفض الجرعة إلى 50 مليجرامًا يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها 25 مليجرامًا يوميًا لمدة شهر، ثم اجعلها 25 مليجرامًا يومًا بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.

بجانب السيرترالين تحتاج لعلاج داعم، ومن أفضل هذه العلاجات دواء يسمى (إريبيبرازول)، تتناوله بجرعة 5 مليجرامات يوميًا في الصباح لمدة 4 أشهر، ثم تتوقف عن تناوله، وإذا لم تجد الإريبيبرازول هنالك علاج بديل يسمى (ريسبيريدون)، تناوله بجرعة 1 مليجرام ليلًا لمدة 4 أشهر، ثم توقف عن تناوله.

وتوجد أدوية أخرى كثيرة كلها مفيدة، لكن ما وصفته لك يعتبر علاجًا فاعلًا وناجعًا وسليمًا، وليس إدمانيًا، وطبعًا إذا قابلت طبيباً نفسياً هذا سيكون أمرًا جيدًا جدًا بالنسبة لك.

أنا متفائل جدًا أن حالتك بسيطة، فقط عليك بعدم الحوار مع هذه الأفكار، وعليك تحقيرها، وعليك تجنُّب السهر، وأن تمارس الرياضة، وهنالك تمارين للاسترخاء (2136015)، من أفضلها تمارين التنفس التدرجي، وهي ذات فائدة كبيرة لعلاج التوتر والشعور بالاختناق، وللتدرب على هذه التمارين يمكنك أن تطلع على أحد البرامج الخاصة بتمارين الاسترخاء والموجودة على اليوتيوب.

بارك الله فيكم، جزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً