الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرجو تفسير سبب مضاعفة أدوية الاكتئاب للاكتئاب!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الشخص صاحب هذه الاستشارة 2368967، حالته تشبه حالتي، ويقول كما قلت، بأن أدوية الاكتئاب تضاعف لديه الاكتئاب والحزن لدرجة خطيرة، وأنا أعتقد أنها يمكن أن تؤدي للانتحار، لذلك أوقفت كل الأدوية النفسية حفاظًا على نفسي.

والمشكلة التي أواجهها أنا وهذا الشخص، أن الدكاترة يقولون لنا إن كلامنا غير صحيح، وأنه لا يوجد في كتب الطب أن أدوية الاكتئاب تضاعف الاكتئاب، ولكن في رأيي: أن إحساسي أصدق من كتاب الطب، ولا بد أن يصدق الدكاترة كلامي، ويفسروا لي حالتي، وإن لم يعرفوا، فمن الممكن أن يقولوا لي: إن العلماء لم يتوصلوا بعد للعلاج المناسب لحالتي، وأنا سأحترم الكلام وسأقدره؛ لأننا كبشر لم نكتشف بعد كل علاجات الأمراض، ما زال هناك أدوية لم نكتشفها، ولكنها موجودة على الأرض.

وإذا لم يكن لديكم تفسير لحالتي، وبالتالي لا وجود لدواء لعلاجي، فهل معنى ذلك أنني سأعيش بالاكتئاب طوال حياتي، أم أن الله يمكنه شفائي، حتى وإن لم يكتشف الأطباء دوائي؟

أنا أعلم أن الله على كل شيء قدير، ولكن إذا لم يوجد سبب الشفاء، فهل سيشفيني الله من عنده بدون دواء؟ هل يمكن أن أستيقظ في يوم وأجد الاكتئاب يتحسن وحده، فقط بقدرة الله، وبدون أي سبب مادي؟

عملت أشعة رنين مغناطيسي على المخ، و-الحمد لله- النتيجة سليمة، فأرجو تفسير سبب مضاعفة أدوية الاكتئاب للاكتئاب الذي أعاني منه أنا وهذا الشخص! وإذا لا يوجد تفسير، فانصحوني، ماذا أفعل؟

أنا دائمًا أردد: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكني أخاف على نفسي من الاكتئاب وخطورته، ولقد سمعت عن الليلة المظلمة للنفس، وأن لها نفس أعراض الاكتئاب، فهل يمكن أن يكون لدي ذلك؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك في إسلام ويب، ونسأل الله لك العافية والشفاء.

سؤالك وجد الاهتمام التام من جانبنا، وأنت ذكرت -أخي الكريم- أن حالتك مطابقة لحالة الأخ الذي لا يستجيب اكتئابه لمضادات الاكتئاب، بل ربما تصبح حالته أسوأ، وتكون أعراضه أكثر إطباقًا، وطبعًا الذي أغضبك بعض الشيء هو أن الأطباء ذكروا لك أنه لا يوجد شيء من هذا القبيل.

وأنا أقول لك: الأمر يتطلب أن ننظر إليه بعمق أكبر، هنالك حالات للاضطراب الوجداني الثنائي القطبية لا تستجيب مطلقاً لمضادات الاكتئاب، بل قد تصبح الحالة أسوأ، هذه الحالات يكون القطب الاكتئابي فيها هو المهيمن والمسيطر، ولا يظهر أبدًا قطب الانشراح، بل يكون كامنًا وخاملًا، وإن ظهر قد يظهر بصورة غير ملاحظة، يظهر مثلًا في شكل زيادة في الطاقة الجسدية لدى الإنسان، أو زيادة في التوتر النفسي لفترة قصيرة، أو شيء من اضطراب النوم.

وهذه اعتبرها علماء النفس والسلوك -أي هذه اللحظات، أو هذه القفزات البسيطة- اعتبروها هي التي تمثل الضلع الانشراحي، وعلى ضوء هذا تكون هذه الحالات هي حالات لاضطراب وجداني ثنائي القطبية، وليست حالات لاضطراب وجداني أو اكتئاب أحادي القطب، وهذه الحالات -قطعًا- لا تستجيب للعلاج عن طريق مضادات الاكتئاب، بل قد يصبح الاكتئاب أسوأ، ويدخل الإنسان فيما يعرف بالباب الدوار، تتكاثف وتتكاثر عليه النوبات، هذا -يا أخي- قد يكون تفسيرًا.

التفسير الثاني وهو: أي حالة شخصت كحالة اكتئاب نفسي ولم تستجب لمضادات الاكتئاب حتى ولو جزئيًا؛ يجب على الطبيب أن يعيد النظر في تشخيصه، ويجب أن يسأل ويستعين برأي زميل آخر، هذا -يا أخي- ليس من قبيل التواضع، إنما هو واجب طبي على الطبيب، أن يستشير زملاءه حول الحالة، وتناقش، وهنالك كثير من الحالات نحن نناقشها مع زملائنا فيما بيننا، يجب أن يعاد النظر، قد تكون الحالة ليست اكتئابًا، إنما تعطيك المظهر الاكتئابي، ولكنها ليست اكتئاباً في حقيقة الأمر.

أيضًا هنالك أنواع نادرة من الاكتئاب النفسي، تكون أسبابها عضوية، مثلًا: زيادة إفراز الغدة فوق الكلوية، أو ضعف الإفراز، هذا قد يؤدي إلى اكتئاب لا يستجيب للأدوية المضادة للاكتئاب، كذلك عجز الغدة الدرقية..وهكذا، هذه أحد الأشياء المهمة والضرورية، ووجد الآن أن نقص فيتامين (ب 12)، أو فيتامين (دال)، قد تجعل الإنسان في حالة من عسر المزاج المستمر، فيجب أن يعاد النظر في التشخيص، يجب أن توضع آليات جديدة للنظر في هذا التشخيص.

الأمر الثالث وهو: هنالك نظرية لأحد العلماء المعروفين، يسمى أرون بيك، وهو أول من أتى بالعلاج السلوكي المعرفي للاكتئاب، نظريته تقول: إن الاكتئاب ليس عسرًا في المزاج، إنما هو اضطراب وتشويه في الأفكار، واستحواذ لأفكار سلبية، بعد أن تهيمن يأتي بعد ذلك اضطراب واكتئاب المزاج، بمعنى آخر أن هذه الحالات لا تستجيب للأدوية، إنما تستجيب للعلاج المعرفي السلوكي المتخصص، والذي يؤدي إلى تصحيح المفاهيم، وكيفية التعامل مع الأفكار السلبية.

هذه الثلاثة -يا أخي- هي الأسس الرئيسية للنظر في مثل حالتك، وفي مثل حالة الأخ الذي أجبناه -تقريبًا- على نفس هذه الأسس التي ذكرناها لشخصك الكريم.

طبعًا بعض الأطباء قد يعتقد أن هذا الأمر ليس موجوداً، وأن هذه مبالغة، وأن هذا نوع من الوسوسة، أو أن المريض قد يكون منتفعًا من المرض؛ لأن بعض الناس ينتفعون من الأمراض وهكذا، أنا أقول لك: هذا لا ينطبق على شخصك الكريم، لكن هذه أيضًا أفكار يتم تداولها أحيانًا بين الأطباء.

فيا أخي الكريم: راجع طبيبك للنظر بعمق أكثر بتشخيص الحالة، وأنا أقول لك: لا بد للإنسان أن يعيش على الأمل والرجاء، وما كان بالأمس ليس من الضروري أن يكون اليوم، اليوم له متطلباته، وله آلياته، ونستطيع أن نفصل حياتنا الحالية، لكن ليس على حياتنا بالأمس، فعش على الأمل والرجاء، وواصل مع طبيبك.

أخي الكريم: الله تعالى قادر أن يشفيك ويشفينا بسبب وبدون سبب، ولأضعف سبب، ولأغرب سبب، وفي ذات الوقت يجب أن نأخذ بالأسباب، الليلة المظلمة هذه التي يتحدث عنها هي لحظات عابرة، وليست أحوالاً اكتئابية حقيقية، ليس لأنها عابرة، وأعراضها تشابه الاكتئاب، ولكنها ليست اكتئاباً حقيقياً.

بعض الناس شخصياتهم تحمل الجانب الاكتئابي، الشخصية الاكتئابية موجودة، وإن كانت الحالات قليلة، وهؤلاء لا يستجيبون للأدوية، إنما يستجيبون للطرق السلوكية، والحياة المنهجية الإيجابية.

بارك الله فيكم، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً