السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متحاملة جداً على والديّ، وذلك لأسباب ورواسب قديمة منذ صغري، لكنني في الماضي لم يكن يهمني رضاهما؛ لأنني أرى أنهما السبب فيما أنا عليه، وبعد أن توجهت للعلم الشرعي وعلمت أن عقوقهما من الكبائر بدأ هذا الأمر يشغل خاطري، وبدأت أحاول إصلاحه.
من أسباب حملي عليهما أنهما لم يكونا يهتمان بشؤوني، وأنا فتاة وحيدة، وإخواني كلهم ذكور، فكانا يحملانني المسئولية ويتمتعان هما بحياتهما.
وفي الجامعة سافرا وتركاني مع أخوين من الشباب، وكما تعلمون حال الشباب من عدم تحمل المسئولية ومشاكلهم، وكلما طلبت طلباً يعللون رفضهم بأنهم لا يستطيعون تلبيته لإخواني الذكور لعدم استقامتهم، وبالتالي لا يلبونه لي، وكانوا يجعلون النفقة معي ولا يعطونني ما يكفي، فيكون ذلك سبباً للنزاع مع إخواني الشباب، فكنت أعاني من صعوبة تدبير المال مع عدم وجود من يقوم بشؤون البيت عني، وصعوبة دراستي والوحدة وعدم وجود من ينصحني، ومقابل هذا لا أقول: لم يكونوا يثنون علي لقيامي بحمل المسئولية عنهم، بل كانوا ينكرون أنني أحملها، وكثير من الأمور بدلاً من أن يشكروني -وأنا لا أريد هذا الشكر ولا أنتظره، بل يكفيني صمتهم- فإنهم يقلبون هذا الجهد مني إلى عيوب وينتقصونني، هذه الأمور جعلتني أفقد حبي لهم!
المهم أن الله من علي بعد إنهاء دراستي والسفر إليهم بصحبة صالحة وعلم شرعي، فبدأت أحاول إصلاح نفسي لكن لم أجد نتيجة لذلك، لأنهم كانوا كلما أصلحت جزءا ولاحظوا ذلك علي يفتشون عن عيوب جديدة، بالإضافة إلى أنهما -وسامحوني في ذكر ذلك، يعلم الله أنني لم أذكره إلا لأنني أرى أنه سيكون له دور في إيجاد الحل- لم يكن بينهما ود ولا حسن خلق، بل كل منهما يبغض الآخر كما يبغض أبناءه، ويكثرون من الدعاء عليهم، ولا يحسنون الاهتمام بأمر المنزل، فتجده دائماً غير منظم ومليئاً بما لا فائدة منه بصورة لا تتخيل، فكان ذلك يؤدي لتوتر أعصابي من كثرة ما أسمع من الصراخ في المنزل والسب والدعاء على الأبناء، وكثيراً حاولت أنصحهم وأحاول تنظيم المنزل إلا أنهم لا يقبلون ذلك.
المهم: بعد ذلك يسر الله لي عملاً -فتح لي باب رزق- وحُلَّت نصف مشاكلي بذلك، لأنني لم أعد أجلس في المنزل كثيراً، ولم أعد أحتاج لمال والدي الذي كان يصعب الحصول عليه منه رغم أنه ميسور الحال جداً ويغدق على الآخرين، إلا أفراد أسرته؟ فيراهم لا يستحقون نفقته.
بدأت أشعر بتحسن في علاقتي بهم، ومع كثرة دعاء الله تعالى، لكن هذا التحسن لم يكن حقيقياً كما اكتشفت بعد ذلك، فقد كان بسبب بعدي عنهم.
وهما لم يتعاملوا معي على أني فتاة رشيدة، بل كانوا يتعاملون على أني طفلة، فإذا تقدم أحد لخطبتي يخفون ذلك عني ولا يستشيرونني، وقد يأتي أهله لزيارتنا بدون علمي (طبعاً هذا في ظنهم)، وبعد فترة أصبح أمر حضور خاطب معناه شجار والدي معي وخلق مشكلة قبل حضوره، مما جعلني أكره هذا الأمر -تقدم أحد لي- رغم أني أتمنى أن أكون زوجة وأماً.
كل هذه الأمور لم أكن أجعلها تقف في طريقي؛ لأن يومي كان مشغولاً وممتلئاً بالخير والنفع، فأنا إما أنفع غيري أو أنتفع منه، وكله في أمور خير.
وجاء الاختبار الأخير الذي رسبت فيه وفشلت فشلاً ذريعاً، فقد استقال والدي وقرر العودة لبلدنا الذي كنت قد قطعت الصلة به من سنوات، ورتبت حياتي واستقررت، فهلعت وقلت له: أنا لا أقدر أسافر، كما أنني لا أستطيع تحمل نفقتي هناك؛ لأنه لا مجال للعمل بدون محاذير شرعية، فطمأنني أنه لن يجعلني أحتاج لشيء، واقترحت عليه أن ينتظر قليلاً لعله يجد عملاً آخر، ولعلي أجد عملاً أيضاً فلا نحتاج للسفر، ووافق وبالفعل حصلت على عمل وبدأت أبحث عن وظيفة يكون راتبها مرتفعاً، وكانت بشائر الخير تلوح، ولكنه فجأة قرر السفر بدون سابق إنذار، وفي يوم وليلة بدون ترتيب.
أنا كان بوسعي أن أرفض السفر معه وأبقى مع أخي لكنني لم أشأ أن أغضبه، وقلت: لعله يوفي بوعده، وأنا دائماً أجده يمنيني بلا تنفيذ، لكن قلت: أحسني الظن، والآن أنا بلا عمل ولا أجد ما أشغل وقتي به، وأحمل هم النفقة جداً، وهو كما هو لم يتغير، وأقيم في منزل وحدي لأن منزلنا عبارة عن مخزن لا مكان لي فيه، ولا أتحمل البقاء فيه، دائماً أقول لنفسي: هذا اختبار من الله، وعلي بالصبر والفرج قادم بإذن الله.
لكن ما إن تتحدث معي أمي وتقلب علي الجراح -وهي هداها الله لا تعرف كيف تراعي مشاعر من أمامها- إلا وأجد نفسي أنفعل وأغضب وأشكو من أبي ومن شحه علينا، وأنه لم يدعني أنفق على نفسي ولم ينفق علي، أمي تعلم ذلك وهي متألمة منه رغم أنها كانت سبباً فيه؛ لأنها أيضاً لا تحب الإنفاق ولا تحب أن يرى أثر نعمة الله عليها، بل تعد ذلك سبباً في حسد الناس لها.
أنا لا أتحدث مع أبي في أي أمر ولا أطلب منه أي شيء، لأنني أعلم أنني لو تكلمت قد أنفجر، وأعلم أنه لن يحقق لي شيئاً، ولكن دائماً يرتفع صوتي على أمي، وأتألم لأنني لا أساعدهم في أي شيء؛ لأن منزلهم غير قابل للتنظيم، وأنا في هذا البلد يصيبني حساسية في جلدي تمنعني من أعمال المنزل، وأشعر أن الله لا يقبل عملي بسبب إغضابي لهما.
أنا بدأ شعوري تجاه والدي يأخذ اتجاهاً سيئاً، أخاف أن يغضب الله علي بسببه، وكل هذا لأنني أشعر أني أسيرة عنده لا هو زوجني ولا هو ينفق علي، ولا يهتم بحاجاتي ولا تركني أتولى شؤون نفسي.
فكيف أحل هذه المشكلة؟ لا تقل لي بالصبر، أنا أعلم ذلك وأدعو الله ليل نهار أن يرزقني الصبر ويفرج عني، وأعلم أنني في نعمة ليس فيها كثير من المسلمين، لكن كلما رأيت والدي وسمعت كلامه الذي يزيد الجراح عمقاً، وأرى حال إخواني في بلاد العالم بحثاً عن الرزق ووالدهم من الأثرياء يحفظ ماله بلا فائدة يزيدني أسى.
كلما تذكرت أن عمري يمر بلا فائدة فهذا أشد ما يؤلمني أن أيام عمري تمر وأنا لا أستفيد منها، لأنني هنا في هذه البلدة لا يمكن أخرج من المنزل لكثرة الفتن وصعوبة التنقل، فلا أجد لي منفساً إلا الإنترنت الذي مللت من طول لبثي عليه.
ولدي سؤال آخر: هل يحرم علي أن أسافر بدون رضا والدي وأقيم مع أخي إذا كنت آمن على نفسي معه؟
أعتذر لطول الرسالة وورود ما لا فائدة منه، وهذا قليل من كثير، ظننت أنه قد يبصركم لإيجاد الحل لي، وجزاكم الله خيراً.