الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أهلي أهملوني ولم يهتموا بدعمي أو تعليمي مهارات الحياة، فماذا أفعل؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مشكلتي في الاحترام المتبادل مع أهلي في البيت وأصدقائي وأقاربي، لا يوجد فيهم من يحترمني، بالرغم من أنني كبيرة، وأبلغ من العمر 17 سنة، وأكثر ما أحبه في التعامل مع أي أحد هو الاحترام والتقدير، وعدم ذكر ما يجرحني، وبالأخص مع من أحبهم، ولكن الغريب هو أنني لا أجد هذا الاحترام.

عندي أربع صديقات، وهن نعمة عظيمة من الله تعالى، فهن ملتزمات، ومن حفاظ القرآن وأشعر بحبهم لي، وأحبهم كثيراً، وفي كل مرة نتشاجر فيها ولا أكون أنا السبب أسعى إلى حل المشكلة بالمزاح، وعدم الغضب؛ حتى لا تكبر المشكلة، وأمثل السعادة، وعند عودتي للبيت أحاول قدر الإمكان أن أبقى سعيدة، ولكن في النهاية تطغى علي مشاعر الحزن وخيبة الأمل منهن؛ فأنا لا أتشاجر بسبب غلاوة هذه الرفيقة لدي، ولا أحب جرحها، لعلها تفهم موقفي في أحد الأيام وتأتي معتذرة.

وكذلك في البيت أعامل الجميع باحترام، وفي بعض الأيام لا أجد شيئاً من الطعام، ويهون على والدتي حينما لا يبقى من الطعام أي شيء أتناوله، ولكن إذا كان هذا الموقف مع أحد إخوتي، ولم يجد الطعام، فإنها تغضب كثيراً، تستطيع أمي جرح مشاعري، وعدم الاهتمام لها، ولكن لا تفعل هذا مع إخوتي، ومن ثم تأتي وتشتكي ما حصل منهم، ودائمًا تقلق وتحزن على إخوتي، وحين أسألها لماذا لم تحزني علي عندما حصل لي نفس الموقف وأنا بعمرهم؟ تتحجج بأنني كنت قوية، وأنا لم أكن كذلك.

والدتي تهتم بإخوتي في جميع النواحي التربوية والتوجيهية والتعليمية والاجتماعية، ركزت على أخي الكبير، وعلمته أساليب الدفاع عن النفس، من تايكوندو، والدفاع بالكلام، وفي صغري لم تهتم لتعليمي أياً من ذلك، وحجتها بأنني فتاة ومكاني في المنزل، بالرغم من أن ذلك لا ينطبق على أختي الصغيرة، فقط علي، وحجتها مرة أخرى أنه مع الوقت تغير الوضع.

ومثال على شدة إهمال والدتي لي: في التعليم الابتدائي تعرضت إلى التنمر، ولم أعرف ماذا أفعل، وكيف أدافع عن نفسي، وماذا أقول! وخفت أن تعاقبني المعلمة، فتركت الطفلة تدعس على رأسي، إلى الآن لم أنس هذا الموقف، وأشعر بغضب وألم شديد، وفي تلك المرحلة تعرضت أيضًا إلى التحرش من عدة رجال، وأكثر من مرة، ولكن كنت أخاف من التحدث خوفًا من العقاب، ولأنني في نظر أمي لا أستحق ما يستحقه أخي وإخوتي.

كبرت وصار عمري تسع سنوات، ولم تعلمني والدتي كيف أرد السلام لمن يسلم علي، وكذلك أبي لا أذكر منه أي توجيه أو تعليم، كل ما أذكره وأنا صغيرة لو قمت بفعل يستحق المعاقبة في نظرهم كان يهددني بقطع رقبتي بالسكين.

ساعدوني، وشكرًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فأهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله الكريم أن يبارك فيك، وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.

أختنا الكريمة: من خلال رسالتك هذه، والرسالة التي سبقتها والتي تحدثت فيها عن بعض ما حدث لك وأنت صغيرة، نعلم يقينًا أن هناك رواسب اجتماعية قد أثرت فيك، وهذا أمر طبيعي، لكن ما لا نريده أن نخلط بين الأخطاء الطبيعية والاعتيادية، وبين التقصير المتعمد القائم على الكره، أو التسلط، أو إرادة السوء بالآخر.

نرجو منك ذلك حتى تستقيم حياتك، وتسعد روحك، وتكسبي من حولك، وتحظي بحياة سعيدة هادئة.

أختنا الفاضلة: الدنيا فيها الصالح والطالح، وفيها المحب والكاره، وفيها الطيب والخبيث، وفيها من يريد الشر ومن يعمل بالخير، وفيها من يريد الخير ويسعى له ولكنه يخطئ عن غير قصد، ولا يستوي في ميزان العقل من قصده الإحسان فأخطأ، ومن قصده الإساءة فأصاب، الأمران مختلفان تمامًا، ونحن نراهن على ذكائك في فهم ما نعنيه من خلال رسالتك.

أختنا الكريمة: الأصل في الاحترام أن يكون متبادلًا، لكن هذه هي الصورة المثالية لا الصورة الواقعية، فإذا قابلت محترماً سيعاملك بالخلق الذي تربى عليه، وإذا قابلت غير ذلك سيعاملك بغير ذلك، وفي كلا الحالتين: لا ينبغي أن يدفعك المسيء للإساءة، بل علمنا القرآن أن ندفع السيئة بالحسنة، وبين لنا أن هذا هو الطريق الأمثل لكسب قلب من أمامك، أو على الأقل لصرف الشر عنك، قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، [فصلت 34 - 35]، وإذا كان هذا التعامل المرجو مع جميع من حولك، فكيف بالأهل والأقارب، ومن لهم الفضل بعد الله عليك كالوالدين؟!

أختنا: نحن لا ننكر أن هناك بعض الأخطاء التي قد يقع فيها بعض الآباء أو الأمهات، لكنها أخطاء عن غير قصد، أو كلمات الدافع فيها التخويف لا التنفيذ، مثل كلمة أبيك -حفظه الله- لك، حين كان يهددك وأنت صغيرة، كان لأجل ألا تفعلي الخطأ، أو لأجل أن تسمعي الكلام، لكن عند الحقيقة لو أن سكينًا اعترضت لك لأخذها في قلبه ولا تجرحك، نعم -أختي الكريمة-، أبوك يتحمل كل شيء في الحياة لأجل ألا يصيبك مكروه، يلاقي من صنوف البشر وأذيتهم ما يلاقي مما لا تعرفين؛ من أجل أن يوفر لكم حياة سعيدة، يتعب لراحتكم، يتحمل لأجلكم، أنتم عينه التي يبصر بها، وقلبه الذي ينبض به، وحياته التي لا معنى لها إلا بوجودكم، فاحذري أن يصنع الشيطان بينك وبين رحمة الله إليك حجابًا أو حاجزًا، فإن هذا والله هو التعب والشقاء.

أختنا الكريمة: كم من فتيات لم ينتبهن لوجود هذا الخير بينهن حتى رحل عنهن، واليوم يبكين الدم لا الدمع على رحيلهم، ويتحسرن على كل دقيقة مرت عليهن دون أن تكون لهن ذاكرة حسنة مع آبائهن، احذري الشيطان، واقتربي من والديك؛ فهما مصدر الأمان بعد الله لك.

ثم دعينا نذكرك بالقاعدة التي ذكرناها: ليس من شرط الاحترام أن يكون متبادلًا، ولا من شرط الإحسان أن يكون مردودًا، بل إذا أحب الله عبدًا ابتلاه بالإحسان إلى من يسيء إليه حتى يكون عمله خالصًا لوجهه تعالى، واستمعي معنا إلى هذا الحديث، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصلُهم ويقطعونني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئون إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهلون عليَّ! فقال: (لئن كنتَ كما قلتَ، فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دمتَ على ذلك)، [رواه مسلم].
و(تُسِفُّهم المَلُّ) تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، لكن ينالهم إثمٌ عظيم بتقصيرهم في حقِّه، وإدخالهم الأذى عليه.

أختنا الكريمة: إننا ندعوك إلى ما يأتي:
1- إيقاظ الأمان النفسي الداخلي، وذلك بالاقتراب من الله أكثر، والصلاة، والنوافل، وقراءة القرآن، والمحافظة على الأذكار؛ فإن هذا هو حصن المسلم الحصين.

2- الجلوس وحدك ومقاومة الشيطان الذي جعل عقلك يحتفظ بالأخطاء من الأهل دون الإحسان منهم، اجلسي وتذكري كل موقف وكل رعاية وكل اهتمام حدث لك، ولا تقولي -أختنا- لم أجد، فلو نظرت وأنت تقتربين من العشرين إلى أم تحمل ابنتها، وهي مجهدة، وتطعمها وهي متعبة، وتهدهدها صغيرة، وهي مرهقة، لعلمت أن هذا حدث معك كثيراً، لكن الذاكرة لم تسعفك.

3- اقتربي من الوالدة أكثر، وأظهري لها حبك لها وحنانك عليها، ساعديها واجتهدي في رفع المعاناة عليها؛ فإن هذا من البر المأمورة أنت به أولًا، ثم هذا سيقربك من الوالدة لتفهميها، مع أننا نلاحظ أن لك عندها ما ليس لغيرك، فهي تراك أقوى من إخوانك، وهي تشتكي لك أحياناً، وهذا يدل على موقعك في قلبها، لكن بقي أن تتعرفي على ذلك.

وأخيراً: ما حدث معك صغيرة لا ذنب لك فيه، فلا تحملي نفسك ما لا تحتمل، واجتهدي في التخلص من تلك الذاكرة، واجعلي مكانها ما قد ذكرنا لك، وستجدين الخير -أختنا- في هذا الطريق.

نسأل الله أن يبارك فيك وأن يسعدك، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً