السؤال
إذا كان لدي أمر ما يلزم فيه امتناعي عن الطعام والشراب، فقضيت أمري في ذلك اليوم وواصلت امتناعي عن الطعام والشراب بنية صوم ذلك اليوم. فهل تكون نية الصوم صحيحة أم لا؟
إذا كان لدي أمر ما يلزم فيه امتناعي عن الطعام والشراب، فقضيت أمري في ذلك اليوم وواصلت امتناعي عن الطعام والشراب بنية صوم ذلك اليوم. فهل تكون نية الصوم صحيحة أم لا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
فلا يصح صوم الفرض إلا بتبييت النية من الليل، لأن جميع النهار يجب صومه في الفرض، فلابد أن تتقدمه نيته كسائر العبادات.
وأما صوم التطوع؛ فقد اختلف أهل العلم في اشتراط تبييت النية له على قولين:
الأول: قول الجمهور وهو عدم اشتراط ذلك. وإنما اشترطوا أن لا يكون قد حصل منافٍ للصوم من لدن طلوع الفجر إلى وقت إنشاء نية الصوم. واستدل هؤلاء بحديث عائشة في صحيح مسلم والسنن قالت: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوماً آخر فقلنا يا رسول الله: أهدي لنا حيس، فقال: "أرينيه فلقد أصبحت صائماً" فأكل.
ونقل النووي عن القاضي وغيره أن هذه الرواية للحديث مفسرة للروايات الأخرى ومبينة أن هذا وقع في يومين لا في يوم واحد. ثم قال: "وفيه دليل لمذهب الجمهور أن صوم النافلة يجوز بنية في النهار قبل الزوال..".
واستدلوا أيضا بآثار عن بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- في هذا المعنى. وقد ذكر بعض تلك الآثار البخاري في الصحيح تعليقاً وترجم لها بقوله: "باب إذا نوى بالنهار صوماً" ثم قال: وقالت أم الدرداء كان أبو الدرداء يقول: عندكم غداء؟ فإن قلنا لا، قال: فإني صائم يومي هذا. ثم قال البخاري: وفعله أبو طلحة، وأبو هريرة، وابن عباس وحذيفة رضي الله تعالى عنهم.
وهذه الآثار -عدا أثر ابن عباس- موصولة في المصنفين لعبد الرزاق وابن أبي شيبة. فأما أثر أم الدرداء فهو في مصنف ابن أبي شيبة.
وأما أثر أبي طلحة وأبي هريرة فهو في مصنف عبد الزراق ولفظه فيه: أن عبيد الله بن مهران أخبر أن أبا هريرة وأبا طلحة كانا يصبحان مفطرين فيقولان: هل من طعامٍ؟ فيجدانه أو لا يجدانه فيتمان ذلك اليوم. وفي مصنف عبد الرزاق عن أبي طلحة مثله.
وأما أثر حذيفة فهو في مصنف عبد الرزاق ولفظه: قال حذيفة: من بدا له الصيام بعد ما تزول الشمس فليصم. وهو في مصنف ابن أبي شيبة بلفظ: أن حذيفة بدا له في الصوم بعدما زالت الشمس فصام.
وأما أثر ابن عباس فوصله الطحاوي -كما في الفتح- عن طريق عمرو بن عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يصبح حتى يُظْهر ثم يقول: والله لقد أصبحت وما أريد الصوم، وما أكلت من طعام ولا شراب منذ اليوم، ولأصومن يومي هذا.
وهنالك آثار أخرى عن غير من ذكر البخاري من الصحابة بهذا المعنى، منهم علي ومعاذ وابن عمر -رضي الله تعالى عنهم-.
واستدلوا -أيضًا- ببعض الأقيسة العقلية لخص أهمها شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: ج 25 ص: 120، في معرض كلامه على الخلاف في هذه المسألة ونقله لحجج كل قولٍ حيث قال: وأما القول الثالث فالفرض لا يجزئ إلا بتبييت النية، كما دلَّ عليه حديث حفصة وابن عمر رضي الله عنهم، لأن جميع الزمان فيه الصوم، والنية لا تنعطف على الماضي.
وأما النفل فيجزئ بنية من النهار كما دل عليه قوله "إني إذاً صائم" كما أن الصلاة المكتوبة يجب فيها من الأركان ـ كالقيام والاستقرار على الأرض ـ ما لا يجب في التطوع توسيعاً من الله على عباده في طرق التطوع، فإن أنواع التطوعات دائماً أوسع من أنواع المفروضات...
ثم علق شيخ الإسلام على هذا القول بقوله: "وهذا أوسط الأقوال".
القول الثاني في مسألتنا: اشتراط تبييت النية في الفرض والنفل على حد السواء، وهو قول المالكية، ومروي عن بعض السلف، ودليلهم ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده، وابن خزيمة في صحيحه، وأصحاب السنن عن أم المؤمنين حفصة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له. وفي رواية: من لم يبيت الصيام...
وقد روي هذا الحديث مرفوعاً وموقوفاً، وصحح غير واحد من أئمة الحديث الموقوف دون المرفوع. منهم البخاري، والترمذي، والنسائي.
وقال أصحاب هذا القول: إن اللفظ عام يشمل الفرض والتطوع، وتأولوا حديث عائشة المتقدم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد نوى الصيام من الليل، ثم ضعف عنه وأراد الفطر لذلك.
والجمهور يرون أن حديث حفصة على تقدير صحة رفعه، مخصص بحديث عائشة رضي الله عنهما.
وقالوا: إن تأويل المالكية بعيد متكلف، وبعض روايات حديث عائشة يفهم منها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنشا نية الصيام من سؤاله هذا.
والله أعلم.