[ ص: 83 ] المسألة العاشرة
هذه الكليات الثلاث إذا كانت قد شرعت للمصالح الخاصة بها; فلا يرفعها تخلف آحاد الجزئيات .
ولذلك أمثلة : أما في الضروريات; فإن ، مع أنا نجد من يعاقب فلا يزدجر عما عوقب عليه ، ومن ذلك كثير وأما في الحاجيات; فكالقصر في السفر مشروع للتخفيف وللحوق المشقة ، والملك المترفه لا مشقة له ، والقصر في حقه مشروع ، والقرض أجيز للرفق بالمحتاج ، مع أنه جائز أيضا مع عدم الحاجة ، وأما في التحسينيات; فإن الطهارة شرعت للنظافة على الجملة مع أن بعضها على خلاف النظافة كالتيمم . العقوبات مشروعة للازدجار
فكل هذا غير قادح في أصل المشروعية; لأن الأمر الكلي إذا ثبت كليا; فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضى الكلي لا يخرجه عن كونه كليا ، وأيضا; [ ص: 84 ] فإن ; لأن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار العام القطعي ، هذا شأن الكليات الاستقرائية ، واعتبر ذلك بالكليات العربية; فإنها أقرب شيء إلى ما نحن فيه ، لكون كل واحد من القبيلين أمرا وضعيا لا عقليا ، وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحا في الكليات العقلية ، كما نقول : ما ثبت للشيء ثبت لمثله عقلا ، فهذا لا يمكن فيه التخلف ألبتة ، إذ لو تخلف لم يصح الحكم بالقضية القائلة : " ما ثبت للشيء ثبت لمثله " . المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت
فإذا كان كذلك فالكلية في الاستقرائيات صحيحة ، وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات .
وأيضا; فالجزئيات المتخلفة قد يكون تخلفها لحكم خارجة عن مقتضى الكلي; فلا تكون داخلة تحته أصلا ، أو تكون داخلة لكن لم يظهر لنا دخولها ، أو داخلة عندنا لكن عارضها على الخصوص ما هي به أولى; [ ص: 85 ] فالملك المترفه قد يقال : إن المشقة تلحقه ، لكنا لا نحكم عليه بذلك لخفائها ، أو نقول في العقوبات التي لم يزدجر صاحبها : إن المصلحة ليست الازدجار فقط ، بل ثم أمر آخر ، وهو كونها كفارة ، لأن الحدود كفارات لأهلها ، وإن كانت زجرا أيضا عن إيقاع المفاسد ، وكذلك سائر ما يتوهم أنه خادم للكلي .
فعلى كل تقدير لا اعتبار بمعارضة الجزئيات في صحة وضع الكليات للمصالح .