الموضع الرابع
في التفويض
وأجمعوا على أن جائز ، وهو أن يعقد النكاح دون صداق ، لقوله تعالى : ( نكاح التفويض لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) .
واختلفوا من ذلك في موضعين :
أحدهما : إذا طلبت الزوجة فرض الصداق واختلفا في القدر .
الموضع الثاني : إذا مات الزوج ولم يفرض ، هل لها صداق أم لا ؟ .
[ المسألة الأولى ]
[ ] إذا طلبت الزوجة فرض الصداق واختلفا في القدر
- فأما المسألة الأولى ( وهي إذا قامت المرأة تطلب أن يفرض لها مهرا ) : فقالت طائفة : يفرض لها مهر مثلها ، وليس للزوج في ذلك خيار .
فإن طلق بعد الحكم : فمن هؤلاء من قال : لها نصف الصداق . ومنهم من قال : ليس لها شيء ، لأن أصل الفرض لم يكن في عقد النكاح ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه . وقال مالك وأصحابه : الزوج بين خيارات ثلاث : إما أن يطلق ولا يفرض ، وإما أن يفرض ما تطلبه المرأة به ، وإما أن يفرض صداق المثل ويلزمها .
وسبب اختلافهم ( أعني : بين من يوجب مهر المثل من غير خيار للزوج إذا طلق بعد طلبها الفرض ، ومن لا يوجب ) : اختلافهم في مفهوم قوله تعالى : ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ) هل هذا محمول على العموم في سقوط الصداق ، سواء كان سبب الطلاق اختلافهم في فرض الصداق ; أو لم يكن الطلاق سببه الخلاف في ذلك ، وأيضا فهل يفهم من رفع الجناح عن ذلك سقوط المهر في كل حال ، أو لا يفهم ذلك ؟ فيه احتمال ، وإن كان الأظهر سقوطه في كل حال لقوله تعالى : ( ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ) .
ولا خلاف أعلمه في أنه إذا طلق ابتداء أنه ليس عليه شيء ، وقد كان يجب على من أوجب لها المتعة [ ص: 414 ] مع شطر الصداق إذا طلق قبل الدخول في نكاح غير التفويض ; وأوجب لها مهر المثل في نكاح التفويض أن يوجب لها مع المتعة فيه شطر مهر المثل ، لأن الآية لم تتعرض بمفهومها لإسقاط الصداق في نكاح التفويض ، وإنما تعرضت لإباحة الطلاق قبل الفرض ، فإن كان يوجب نكاح التفويض مهر المثل إذا طلب فواجب أن يتشطر إذا وقع الطلاق ، كما يتشطر في المسمى ، ولهذا قال مالك : إنه ليس يلزم فيه مهر المثل مع خيار الزوج .