الطرف الثالث : في التداعي والتعارض في الموت والإرث ، وفيه مسائل :
الأولى : ، فللأب حالان ، الأولى أن يكون معروفا بالتنصر ، فقال المسلم : أسلم ثم مات ، وقال النصراني : مات على ما كان ، فيصدق النصراني بيمينه ؛ لأن الأصل بقاؤه ، فإن أقاما بينتين ، نظر إن أطلقتا ، فقالت إحداهما : مات مسلما ، والأخرى مات نصرانيا ، قدمت بينة المسلم ؛ لأن معها زيادة علم ، وهو انتقاله من النصرانية ، فقدمت الناقلة على المستصحبة ، كما تقدم بينة الجرح [ ص: 76 ] على التعديل ، وكما لو مات رجل عن اثنين مسلم ونصراني ، فقال كل منهما : مات على ديني فأرثه ، فبينتها أولى ، وكما لو ادعى على مجهول أنك عبدي ، وأقام به بينة ، وأقام المدعى عليه بينة أنه كان ملكا لفلان ، وأعتقه ، تقدم بينة المدعى عليه ، لعلمها بالانتقال من الرق إلى الحرية ، وعلى هذا قياس المسائل ، وإن قيدنا بأنه تكلم في آخر عمره كلمة ، وأقام المسلم بينة أنها كانت كلمة الإسلام ، وأقام الآخر بينة بأنها كانت النصرانية ، تعارضتا ، فعلى قول السقوط يسقطان ، ويصير كأن لا بينة ، فيصدق النصراني بيمينه ، وإن قلنا بالاستعمال ، فعلى الوقف يوقف ، وعلى القرعة يقرع ، فمن خرجت له ، فله التركة ، وعلى القسمة تقسم ، فيجعل بينهما نصفين كغير الإرث ، وقال مات عن ابن وزوجة ، فقال الابن : داره هذه ميراث ، وقالت : أصدقنيها أو باعنيها ، وأقاما بينتين أبو إسحاق : لا تجيء القسمة ؛ لأنها تكون حتما بالخطأ يقينا ؛ لأنه لا يموت مسلما كافرا ، وفي غير صورة الإرث لا يتحقق الخطأ في القسمة ، لاحتمال كون المدعى مشتركا بينهما ، والصحيح الأول ، وليست القسمة حكما بأنه مات مسلما كافرا ، بل لأن بينة كل واحد اقتضت كون جميع المال له ، ومزاحمتها الأخرى ، فعملنا بكل واحدة بحسب الإمكان ، قال العراقيون : وليست القسمة خطأ يقينا ، لاحتمال أنه مات نصرانيا ، فورثاه ، ثم أسلم أحدهما . ولو قيدت بينة النصراني أن آخر كلامه النصرانية ، فهو كتقييد البينتين .
الحالة الثانية : أن لا يكون الأب معروف الدين ، فإن لم يكن بينة ، نظر إن كان المال في يد غيرهما ، فالقول قوله : وإن كان في يدهما حلف كل واحد لصاحبه وجعل بينهما ، وإن كان في يد أحدهما ، فوجهان ، أحدهما - وبه قال الشيخ أبو حامد والقاضي حسين وجماعته - : القول قوله بيمينه ، والصحيح : أنه يجعل بينهما ، ولا أثر لليد بعد اعترافه بأنه كان للميت . وإن أقاما بينتين ، تعارضتا ، سواء أطلقنا [ ص: 77 ] أو قيدنا . ويجيء في القسمة خلاف أبي إسحاق ، وقيل : تقدم بينة الإسلام ؛ لأن الظاهر من حال من هو في دار الإسلام . والمذهب الأول . ويصلي على هذا الميت ، ويدفنه في مقابر المسلمين ، ويقول : أصلي عليه إن كان مسلما .
فرع
أن يفسر كلمة التنصر بما يختص به النصارى ، كقولهم : ( ثالث ثلاثة ) هل يجب في يشترط في بينة النصراني تفسير كلمته ؛ لأنهم قد يتوهمون ما ليس بإسلام إسلاما ؟ وجهان . وإذا قلنا بالقسمة ، هل يحلف كل واحد من الاثنين للآخر ؟ وجهان ، الأصح : لا . وإذا قلنا بالقسمة : فمات عن ابن وبنت ، فقال بينة الإسلام ابن سلمة : يقسم مناصفة ، وقال غيره : مثالثة ، والصواب : أنهما كرجلين ادعى أحدهما جميع دار ، والآخر نصفها ، وأقاما بينتين ، وقد سبق أن على قول القسمة للأول ثلاثة أرباعها ، وللآخر ربعها . ثم الموت على كلمة الإسلام يوجب إرث الابن المسلم ، لكن الموت على التنصر لا يوجب بمجرده إرث النصراني ، لاحتمال أنه أسلم ثم تنصر ، وكان التصوير فيما إذا تعرض الشهود لاستمراره على النصرانية حتى مات ، أو اكتفوا باستصحاب ما عرف من دينه مضموما إلى الموت عليه ، وإن لم يتعرض له الشهود .
فرع
، فإن كان أصل دينه الكفر ، صدق الأولاد . وإن أقاموا بينتين ، فإن أطلقنا قدمت بينة المسلمين ، وإن قيدنا فعلى الخلاف في التعارض . ويعود خلاف مات عن زوجة وأخ مسلمين وأولاد كفرة ، فقال المسلمان : مات [ ص: 78 ] مسلما ، وقال الأولاد : مات كافرا أبي إسحاق في جريان القسمة ، فإذا رجحنا طائفة ، قسم المال بينهم ، كما يقسم لو انفردوا . وإن جعلنا المال بين الطائفتين تفريعا على القسمة ، فالنصف للزوجة وللأخ ، والنصف للأولاد ، وفيما تأخذ الزوجة من النصف وجهان ، أحدهما : ربعه وكأنه جميع التركة ، وبه قطع السرخسي . والثاني : نصفه ، ليكون لها ربع التركة ؛ لأن الأخ معترف به ، والأولاد لا يحجبونها باتفاقهما ، وبه قطع الإمام .
قلت : الأول أصح ؛ لأنها معترفة أيضا باستحقاق الأخ ثلاثة أرباع التركة . والله أعلم .