[ ص: 92 ] كتاب القضاء
فيه ثلاثة أبواب :
الأول : في التولية وفيه طرفان : الأول : في التولية ، وفيه مسائل :
الأولى : والإمامة فرض كفاية بالإجماع ، فإن قام به من يصلح ، سقط الفرض عن الباقين ، وإن امتنع الجميع ، أثموا ، وأجبر الإمام أحدهم على القضاء ، وقيل : لا يجبر ، والصحيح : الأول ، ثم من لا يصلح للقضاء تحرم توليته ، ويحرم عليه التولي والطلب ، وأما من يصلح ، فله حالان ، أحدهما : أن يتعين للقضاء ، فيجب عليه القبول ، ويلزمه أن يطلبه ويشهر نفسه عند الإمام إن كان خاملا ، ولا يعذر بأن يخاف ميل نفسه وخيانتها ، بل يلزمه أن يقبل ويحترز ، فإن امتنع ، عصا ، وهل يجبر ؟ وجهان الصحيح نعم ، وبه قال الأكثرون ، كما يجبر على القيام بسائر فروض الكفاية عند التعين ، فإن قيل : امتناعه من هذا الواجب المتعين المتعلق بالمصالح العامة ، ويشبه أن تكون كبيرة ، فيفسق به ، ويخرج عن الأهلية ، فكيف يولى ويجبر ، فالجواب أنه يمكن أن يقال : إنه يؤمر بالتوبة أولا ، فإذا تاب ، ولي . القضاء
قلت : وينبغي أن يقال : لا يفسق ، لأنه لا يمتنع غالبا إلا متأولا ، وهذا ليس بعاص قطعا ، وإن كان مخطئا . - والله أعلم - .
الحال الثاني : أن يكون هناك غيره ممن يصلح ، فذلك الغير إما أن يكون أصلح ، وأولى منه ، وإما مثله ، وإما دونه فإن كان أصلح منه ، بني على أن الإمامة العظمى هل تنعقد للمفضول مع وجود الفاضل ، وفيه خلاف للمتكلمين والفقهاء ، والأصح الانعقاد ، لأن تلك الزيادة خارجة عن شرط الإمامة . وفي القضاء خلاف مرتب ، وأولى [ ص: 93 ] بالانعقاد ، فإن لم نجوز للمفضول القضاء حرمت توليته ، وحرم عليه الطلب والقبول ، وإن جوزناه ، جاز القبول . وأما الطلب ، فمكروه ، وقيل : حرام ، وإن كان الأصلح لا يتولى ، فهو كالمعدوم ، وأما إذا كان هناك مثله ، فله القبول ، ولا يلزمه على الأصح ، فربما قام به غيره وأما الطلب ، فإن كان خامل الذكر ، ولو تولى ، اشتهر وانتفع الناس بعلمه ، استحب له الطلب على الصحيح ، وقال القفال : لا يستحب . وإن كان مشهورا ينتفع الناس بعلمه ، فإن لم يكن له كفاية ولو ولي ، حصلت كفايته من بيت المال ، قال الأكثرون : يستحب ، وقيل : لا يستحب ولا يكره ، وإن كان له كفاية ، فالصحيح أن الطلب مكروه ، وقيل : الأولى تركه ، ثم كما يكره الطلب والحالة هذه يكره القبول ، ولو ولي بلا طلب ، وعلى هذا حمل امتناع السلف . وإن كان هناك من هو دونه ، فإن لم نجوز تولية المفضول ، فقد تعين عليه ، وإن جوزناها ، استحب له القبول . وفي الوجوب الوجهان ، ويستحب له الطلب إذا وثق بنفسه ، وهكذا حيث استحببنا الطلب والتولي أو أبحناهما ، فذلك عند الوثوق ، وغلبة الظن بقوة النفس ، وأما عند الخوف ، فيحترز .
فرع
التفصيل الذي ذكرنا فيما فإن كان ، نظر ، إن كان غير مستحق لجور أو جهل ، فهو كما لو لم يكن ، وإن كان مستحقا والطالب يروم عزله ، فالطلب حرام ، والطالب مجروح ، ذكره إذا لم يكن هناك قاض متول الماوردي .
قلت : وسواء كان فاضلا أو مفضولا إذا صححنا تولية المفضول . - والله أعلم - .
[ ص: 94 ] فرع
ما ذكرناه هو ، فلو حكم الطلب بلا بذل ، فقد أطلق بذل مالا ليتولى وآخرون أنه حرام وقضاؤه مردود ، والصحيح تفصيل ذكره ابن القاص الروياني وهو أنه إن تعين عليه القضاء أو كان ممن يستحب له ، فله بذل المال ، ولكن الآخذ ظالم بالأخذ ، وهذا كما إذا تعذر الأمر بالمعروف إلا ببذل مال ، وإن لم يتعين ولم يكن مستحبا ، جاز له بذل المال ليتولى ، ويجوز له البذل بعد التولية لئلا يعزل ، والآخذ ظالم بالأخذ ، وأما بذل المال لعزل قاض ، فإن لم يكن بصفة القضاة ، فمستحب لما فيه من تخليص الناس منه ، ولكن أخذه حرام على الآخذ ، وإن كان بصفتهم فحرام . فإن فعل ، وعزل الأول ، وولي الباذل ، قال : توليته باطلة ، والمعزول على قضائه ، لأن العزل بالرشوة حرام ، ابن القاص حرام ، وليكن هذا عند تمهد الأصول الشرعية ، فأما عند الضرورات ، وظهور فرع طرق الفتن ، فلا بد من تنفيذ العزل والتولية جميعا ، كتولية البغاة . وتولية المرشي والراشي
فرع
طرق الأصحاب متفقة على أن النظر في تعين الشخص للقضاء وعدم تعينه إلى البلد والناحية لا غير ، ومقتضاه أنه لا يجب على من يصلح للقضاء طلب القضاء ببلدة أخرى ليس بها صالح ، ولا قبوله إذا ولي ويجوز أن يفرق بينه وبين القيام بسائر فروض الكفاية المحوجة إلى السفر ، كالجهاد وتعلم العلم ونحوهما ، فإن تلك يمكن القيام بها ، والعود إلى الوطن ، وعمل القضاء لا غاية له .