[ دعوى غير النكاح ] .
فصل : فأما من سائر العقود كالبيع ، والإجارة ، والرهن ، فإن لم يعتبر شروط العقد في دعوى النكاح ، فأولى أن لا تعتبر في دعوى غيره من العقود ، لأنها إذا لم تعتبر في الأغلظ ، كان أولى أن لا تعتبر في الأخف ، وإن اعتبرت في النكاح فقد اختلف أصحابنا في اعتبارها في دعوى غيره من البيع والإجارة على ثلاثة أوجه : دعوى غير النكاح
أحدها : يعتبر في دعواها شروط العقد ، سواء استبيح بها ، ذات فرج أم لا ، لأنها قد توجد فيها الصحة ، والفساد كالنكاح ، فيقول في دعوى العبد ابتعت هذا العبد بألف درهم بعد رؤيته وافترقنا عن تراض منه .
والوجه الثاني : يجوز إطلاق الدعوى ، ولا تعتبر فيها شروط العقد وسواء استبيح بها ذات فرج أم لا بخلاف النكاح ، لوقوع الفرق بينهما في التغليظ باعتبار الولي والشاهدين في النكاح ، وسقوط اعتباره في البيع .
والوجه الثالث : إن استبيح بالبيع ذات فرج كابتياع الأمة ، اعتبر في دعوى ابتياعها شروط العقد ، كالنكاح ، وإن لم يستبح به ذات فرج كابتياع البهائم ، والأمتعة ، لم يعتبر في دعوى ابتياعها شروط العقد ، لتخفيف حكمها بأنها تملك بالإباحة ، ويشبه أن يكون لهذا الموجه وجه . والله أعلم .
[ ص: 314 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " والأيمان في الدماء مخالفة لغيرها ، لا يبرأ منه إلا بخمسين يمينا ، وسواء النفس والجرح في هذا ، نقتله ونقصه منه بنكوله ويمين صاحبه ، ( قال المزني : ) رحمه الله : قطع في الإملاء بأن لا قسامة بدعوى ميت ، ولكن يحلف المدعى عليه ويبرأ ، فإن أبى حلف الأولياء واستحقوا دمه ، وإن أبوا ، بطل حقهم ، وقال في كتاب اختلاف الحديث : من ادعى دما ولا دلالة للحاكم على دعواه كدلالة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقسامة ، أحلف المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدم ، ( قال المزني : ) رحمه الله : وهذا به أشبه ، ودليل آخر ، حكم النبي ، صلى الله عليه وسلم في القسامة بتبدئة المدعي لا غيره ، وحكم فيما سوى ذلك بتبدئة يمين المدعى عليه لا غيره ، فإذا حكم الشافعي فيما وصفت بتبدئة المدعى عليه ، ارتفع عدد أيمان القسامة " .
قال الماوردي : قد مضت هذه المسألة في كتاب القسامة ، وذكرنا أن : دعوى الدماء ، تخالف دعوى الأموال ، من وجهين
أحدهما : بالتبدئة بيمين المدعي مع اللوث ، وبأعداد الأيمان خمسين يمينا .
وإذا اختصت الدماء بهذين الحكمين لم تخل دعواهما من أن تكون في نفس أو طرف ، فإن كانت في نفس لم يخل أن يكون معها لوث ، أم لا .
فإن كان معهما لوث تعلق عليهما الحكمان في التبدئة بيمين المدعي وبإحلافه خمسين يمينا ، فإن كان الولي واحدا ، أحلف خمسين يمينا واستحق الدم ، وفيما يستحقه به قولان :
أحدهما : القود قاله في القديم .
والثاني : الدية قاله في الجديد .
ففي أيمانهم قولان : وإن كان ولي الدم جماعة
أحدهما : أنه يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا ، يستوي فيه من قل سهمه وكثر .
والقول الثاني : أن الخمسين يقسط بينهم ، على قدر ميراثه ، فيحلف كل واحد منهم بقدر قسطه من مواريثه ، بجبر الكسر ، فإن كانوا ابنا وبنتا حلف الابن أربعة وثلاثين يمينا ، وحلفت البنت سبع عشرة يمينا .
وإن لم يكن مع الدعوى لوث ، سقطت التبدئة بيمين المدعي وأحلف المدعى عليه كما يبتدأ بإحلافه في دعوى الأموال ، ولكن على قولين : هل تغلظ الدعوى بعدد الأيمان أم لا ؟
[ ص: 315 ] أحدهما : لا يغلظ بالعدد ، ويحلف المدعى عليه يمينا واحدة ، لأنه لما سقط فيها حكم التبدئة سقط فيها حكم العدد كالأموال .
والقول الثاني : تغلظ فيها الأيمان بالعدد ، وإن سقط التغليظ بالتبدئة ، لتغليظ حكم الدماء ، بوجوب القود ، والكفارة فعلى هذا إن كان المدعى عليه واحدا ، حلف خمسين يمينا ، وإن كانوا جماعة فعلى قولين :
أحدهما : يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا .
والقول الثاني : يقسط الخمسون بينهم على عددهم إلا أن يكونوا ورثة ميت ، فتقسط بينهم على مواريثهم ، فإن حلف برئ ، وإن نكل ردت اليمين على المدعى ، وفي تغليظ يمينه بالعدد قولان :
أحدهما : لا يغلظ ويحلف يمينا واحدة ، يستحق بها القود في العمد قولا واحدا ، وإن لم يستحقه مع اللوث على أحد القولين ، لأن يمين الرد في النكول تقوم مقام الإقرار ، في أحد القولين ومقام البينة في القول الآخر ، والقود يستحق بكل واحد من إقرار المدعى عليه ، وبينة المدعي .
والقول الثاني : يحلف المدعي خمسين يمينا ، ثم يحكم له بالقود إن حلفها فإن كانوا جماعة فعلى قولين :
أحدهما : يحلف كل واحد منهم خمسين يمينا .
والقول الثاني : أنها تقسط بينهم على قدر مواريثهم بجبر الكسر .