مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وسواء أقام أحدهما شاهدا وامرأتين والآخر عشرة إن كان بعضهم أرجح من بعض " .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا ، وكانت بينة أحدهما شاهدين ، وبينة الآخر عشرة ، أو ترجحت بزيادة العدالة ، فكانت بينة أحدهما أظهر زهدا ، وأوفر تحرجا فهما في التعارض سواء ، ولا يغلب الحكم بالبينة الزائدة في العدد والعدالة ، وبه قال أقام كل واحد من المتداعيين بينة على ما تنازعاه من العين ، ولم يكن لواحد منهما يد ، وترجحت بينة أحدهما على بينة الآخر ، بكثرة العدد أبو حنيفة وأصحابه .
وقال مالك : المرجحة بزيادة العدد ، وقوة العدالة أولى ، والحكم بها أحق .
[ ص: 307 ] حكاه الشافعي في القديم ، فخرجه بعض أصحابه قولا ثانيا ، ونفاه أكثرهم عنه .
وحكي عن الأوزاعي أنه قال : أقسم الشيء المشهود فيه على عدد البينتين ، فإذا كانت إحداهما شاهدين والأخرى أربعة قسمت المشهود فيه أثلاثا ، فجعلت لصاحب الشاهدين سهما ، ولصاحب الأربعة سهمين .
فأما مالك فاستدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " ، ولأن النفس إلى زيادة العدد أسكن ، وبقوة العدالة أوثق ، ولذلك رجحت بها أخبار الرسول ، إذا تعارضت ، فوجب أن ترجح بها الشهادات إذا تعارضت . عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الجماعة أبعد
وأما الأوزاعي ، فاستدل له بأن المشهود فيه مستحق بقولهم ، فاقتضى أن يكون مقسطا على عددهم .
والدليل على التسوية بينهم أن الله تعالى نص على عدد الشهادة بقوله : واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) [ البقرة : 282 ] . وبقوله تعالى : وأشهدوا ذوي عدل منكم ) [ الطلاق : 2 ] . فمنع النص من الاجتهاد في الزيادة ، والنقصان .
ولأن لما جاز الاقتصار على الشاهدين مع وجود من هو أكثر ، وعلى قبول العدل مع من هو أعدل ، دل على أن لا تأثير لزيادة العدد ، وزيادة العدالة .
ولأن ما تقدر بالشرع لم يختلف حكمه بالزيادة والنقصان كدية الحر ، وما تقدر بالاجتهاد ، اختلف حكمه بالزيادة والنقصان ، كقيمة العبد ، وبهما فرقنا في الأخبار المتعارضة بين زيادة العدد ، ونقصانه ، لعدم النص في عدده وسوينا في الشهادات المتعارضة ، بين الزيادة والنقصان ، لورود النص في عدده وفيما ذكرناه انفصال عما استدلوا به .
وقول الأوزاعي أوهى ، لأنه لو ثبت الحق بشهادة عشرة ، ثم ثبت قضاؤه بشاهدين قضى بهما على شهادة العشرة ، ولم يقسط القضاء على العدد كذلك في إثبات الحق ، وهو حجة ، على مالك أيضا .