مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " ومن شرب عصير العنب الذي عتق حتى سكر ، وهو يعرفها خمرا ، ردت شهادته ، لأن تحريمها نص " .
قال الماوردي : وأما ، فهو عصير العنب إذا أسكر ولم تمسه نار ، ولم يخالطه ماء ، ولا يكون خمرا إن مسته نار أو خالطه ماء . الخمر
وشربه محرم بنص القرآن ، وهو قوله تعالى : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه [ المائدة : 90 ] .
فدلت الآية على تحريمه من وجهين :
أحدهما : قوله رجس من عمل الشيطان والرجس المضاف إلى الشيطان يكون رجسا بإضافته إلى الشيطان تغليظا .
وفي أربعة تأويلات : الرجس
أحدها : سخط .
والثاني : شر .
والثالث : إثم .
والرابع : حرام .
وقوله من عمل الشيطان أي : مما يدعو إليه الشيطان ويأمر به .
والثاني : قوله فاجتنبوه ، وما ورد الأمر باجتنابه حرم الإقدام عليه وفيما أراد بقوله " فاجتنبوه " تأويلان محتملان :
أحدهما : الرجس أن تفعلوه .
والثاني : الشيطان أن تطيعوه .
وقال الله تعالى : إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق [ الأعراف : 33 ] . فيه تأويلان :
[ ص: 183 ] أحدهما : أنها الزنى خاصة ، وما ظهر منها المناكح الفاسدة ، وما بطن السفاح الصريح .
والثاني : أن الفواحش : جميع المعاصي ، ما ظهر منها : أفعال الجوارح ، وما بطن : اعتقاد القلوب .
وفي تأويلان : الإثم والبغي
أحدهما : أن " الإثم " الخيانة في الأمور ، والبغي التعدي على النفوس .
والثاني : وهو أشهر : أن الإثم الخمر ، والبغي السكر ، وشاهده قول الشاعر :
شربت الإثم حتى ضل عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول
واختلف بأي هاتين الآيتين حرمت الخمر .
فالذي عليه الجمهور أنها حرمت بالآية الأولى للتصريح باسم الخمر .
وقال قوم : بل حرمت بالآية الثانية ، لأنها آخر آية نزلت فيه .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " فجعله مقرونا بالشرك لتغليظ تحريمه . فإن شرب الخمر مستحلا كفر به . شارب الخمر كعابد وثن
وإن قيل : فقد استباح قدامة بن مظعون شرب الخمر بقوله تعالى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا [ المائدة : 193 ] .
وقد قال : قد أيقنا وآمنا ، فلا جناح علينا فيما شربنا ، فلم ينكره أحد من الصحابة قيل : قد أنكروا عليه ما تأوله وأبطلوه ، فرجع عنه ، وانعقد الإجماع على فساد شبهته ، وصار من المحرمات بالنصوص المقطوع بها .
وإن ، كان فاسقا مردود الشهادة ، قليلا شرب منها أو كثيرا ، سكر منها أو لم يسكر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " شرب الخمر غير مستحل لها " في رواية حرمت الخمرة لعينها والسكر من كل شراب العراقيين " والمسكر من كل شراب : في رواية الحجازيين .
ولا فرق بين أن يشربها صرفا أو ممزوجة .
[ ص: 184 ] وشذ قوم بأن قالوا : إذا مزجها بما غلب عليها ، لم تحرم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " حرمت الخمرة لعينها " .
وهذا تأويل فاسد ، لأن العين موجودة في الممزوج بها ، لكن لو مزجت بالماء قبل أن تشتد ثم صارت بعد المزج مسكرا ، كانت في حكم النبيذ دون الخمر ، وكذلك لو غليت بالنار بعد إسكارها كانت خمرا ، لو غليت بالنار قبل إسكارها ثم أسكرت بعد غليها ، كانت نبيذا ولم تكن خمرا .