مسألة : قال الشافعي : " ولو أدركونا وفي أيدينا خيلهم أو ماشيتهم لم يحل قتل شيء منها ولا عقره إلا أن يذبح لمأكله ، ولو جاز ذلك لغيظهم بقتلهم طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم " .
قال الماوردي : وهذا صحيح إذا جاز تركها عليهم ، ولم يجز قتلها وعقرها طلبا لغيظهم ، أو قصدا لإضعافهم . غنمنا خيلهم ومواشيهم ثم أدركونا ولم نقدر على دفعهم عنها
وقال أبو حنيفة : يجوز قتلها وعقرها لإحدى حالتين ، إما لغيظهم ، وإما لإضعافهم احتجاجا بأمرين :
أحدهما : أن ما أفضى إلى إضعافهم جاز استهلاكه عليهم كالأموال .
والثاني : أن نماء الحيوان لا يمنع من إتلافه عليهم كالأشجار .
ودليلنا ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله ، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تصبر البهائم أو تتخذ غرضا . أنه
وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، وهذه أخبار تمنع من عقرها وقتلها ، ولأن كل حيوان لا يحل قتله إذا قدر على استنقاذه ، لم يحل قتله إذا عجز عن استنقاذه كالنساء والولدان ، ولأنه [ ص: 191 ] لو جاز قتلها لغيظهم بها كان غيظهم بقتل نسائهم أكثر ، وذلك محظور ولو قتله لإضعافهم كان إضعافهم بقتل أولادهم وذلك محرم : فبطل المعنيان في قتل البهائم . من قتل عصفورا بغير حقها سأله الله عن قتلها ، قيل : يا رسول الله ، وما حقها ؟ : قال : أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي بها
وأما الجواب عن ، استهلاك الأموال وقطع الأشجار فأبو حنيفة يمنع من قطع الأشجار ويبيح قتل الحيوان ، والشافعي يبيح قطع الأشجار ويمنع من قتل الحيوان ، فصارا مجمعين على الفرق بين الأشجار والحيوان ، وإن كانا مختلفين في المباح منهما والمحظور ، فصار الجمع بينهما ممتنعا ، وإباحة الأشجار وحظر الحيوان أولى من عكسه : لأن للحيوان حرمتين : إحداهما : لمالكه ، والأخرى لخالقه ، فإذا سقطت حرمة المالك لكفره ، بقيت حرمة الخالق في بقائه على حظره ، ولذلك منع مالك الحيوان من تعطيشه وإجاعته : لأنه إن أسقط حرمة مالكه بقيت حرمة خالقه ، وحرمته أكبر من حرمة الأموال ، وأكثر من حق المالك وحده ، فإذا سقط حرمة مالكه لكفره جاز استهلاكه لزوال حرمته ، ولذلك لم يحرم على مالك المال والشجر استهلاكه ، وإن حرم عليه استهلاك حيوانه .