فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فالذي : يتعلق بالجنين ثلاثة أحكام
أحدها : وجوب الغرة .
والثاني : أن تصير به الأمة أم ولد .
والثالث : أن تنقضي به العدة ، وإذا كان كذلك فقد وصف الله تعالى حال الإنسان في مبادئ خلقه إلى استكماله فقال تعالى : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين [ المؤمنون : 12 ] .
وفيه قولان :
أحدهما : أن آدم وحده استل من طين وهو المخصوص بخلقه منه ، قاله قتادة .
والثاني : أنه أراد كل إنسان ، لأنه يرجع إلى آدم الذي خلق من سلالة من طين ، قاله مجاهد .
وفي السلالة تأويلان :
أحدهما : أنها الصفوة .
والثاني : أنها القليل الذي ينسل .
ثم ذكر حالة ثانية في الولد فقال تعالى ثم جعلناه نطفة في قرار مكين [ المؤمنون : 13 ] يعني به ذرية آدم المخلوقين من تناسل الرجال والنساء ، لأنه خلق من طين ولم يخلق من نطفة التناسل ، والنطفة هي ماء الذكر الذي يعلق منه الولد وهو أول خلق الإنسان .
وقوله تعالى : في قرار يعني به الرحم مكين لاستقراره فيه ، فصارت النطفة في أول مبادئ خلقه كالغرس ، والرحم في إنشائه كالأرض .
[ ص: 387 ] ثم ذكر حالة ثالثة هي للولد ثانية فقال تعالى : ثم خلقنا النطفة علقة [ المؤمنون : 14 ] والعلقة هي الدم الطري الذي انتقلت النطفة إليه حتى صارت علقة ، وسميت علقة لأنها أول أحوال العلوق ، والعلقة في حكم النطفة في أنه لم يستقر لها حرمة ولم يتعلق بها شيء من الأحكام الثلاثة بإجماع الفقهاء فلا تجب فيها غرة ، ولا تصير بها أم ولد ، ولا تنقضي بها العدة .
ثم ذكر حالة رابعة هي للولد ثالثة فقال تعالى : فخلقنا العلقة مضغة [ المؤمنون : 14 ] والمضغة اللحم ، وهو أول أحوال الجسم ، سميت مضغة ، لأنها بقدر ما يمضغ من اللحم ، وهو الذي تقدم فيه الخلاف فأوجب فيه مالك غرة ، وأوجب فيه أبو حنيفة حكومة ، ولم يوجب فيه الشافعي شيئا ، ولا تصير به على قوله أم ولد وفي انقضاء العدة به قولان :
أحدهما : تنقضي به العدة لما فيه من استبراء الرحم .
والثاني : لا تنقضي به العدة كما لا تصير به أم ولد ولا تجب فيه الغرة .
ثم ذكر حالة خامسة وهي للولد رابعة قال تعالى : فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما [ المؤمنون : 14 ] فاحتمل خلق العظم واللحم على وجهين :
أحدهما : أن يكونا في حالة واحدة قد خلق عظما كساه لحما .
والثاني : أن يكون في حالتين خلق في إحداهما عظما ثم كساه بعد استكمال العظم لحما فيكون اللحم حالة سادسة هي للولد خامسة .
ثم ذكر حالة سابعة هي للولد سادسة فقال تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر [ المؤمنون : 14 ] وفيه تأويلان :
أحدهما : أنه نفخ الروح فيه ، قاله ابن عباس .
والثاني : أنه تميز ذكرا أو أنثى قاله الحسن ، ومحصول هذه الأحوال يرجع إلى ثلاثة أقسام : مضغة وما قبلها وما بعدها .
فأما المضغة وما قبلها فقد ذكرناه ، وقلنا : إن ما قبل المضغة لا يتعلق به شيء من الأحكام الثلاثة ، وإن المضغة لا يتعلق بها ما سوى الغرة وفي العدة قولان :
وأما ما بعد المضغة فتنقضي به العدة وما وجبت فيه الغرة من ذلك صارت به أم ولد ، والغرة فيه تختلف بحسب اختلاف أحواله بعد المضغة وله بعدها ثلاثة أحوال :
أحدها : أن لا يبين فيه صورة ولا تخطيط الصور فلا تجب فيه الغرة .
[ ص: 388 ] والحال الثانية : أن يبين فيه إما صورة جميع الأعضاء وإما صورة بعضها كعين أو إصبع أو ظفر فتجب فيه الغرة لبيان خلقه ، سواء كانت الصورة ظاهرة للأبصار أو كانت خفية تظهر بوضعه في الماء الحار .
والحالة الثالثة : أن يبين فيه التخطيط ولا يبين فيه الصورة فيتخطط ولا يتصور ، ففي وجوب الغرة فيه وجهان :
أحدهما : لا تجب فيه الغرة لعدم التصوير .
والوجه الثاني : تجب فيه الغرة ، لأن التخطيط مبادئ التصوير .