[ ص: 361 ] باب أين تكون العاقلة
مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : إذا بمكة وعاقلته بالشام فإن لم يكن خبر مضى يلزم به خلاف القياس فالقياس أن يكتب حاكم جنى رجل جناية مكة إلى حاكم الشام يأخذ عاقلته بالعقل وقد قيل يحمله عاقلة الرجل ببلده ثم أقرب العواقل بهم ولا ينتظر بالعقل غائب وإن احتمل بعضهم العقل وهم حضور فقد قيل يأخذ الوالي من بعضهم دون بعض لأن العقل لزم الكل . قال : وأحب إلي أن يقضي عليهم حتى يستووا فيه .
قال الماوردي : اعلم أنه لا يخلو عاقلة الجاني خطأ من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكونوا حضروا مع الجاني في بلده .
والثاني : أن يكونوا غائبين عن الجاني في غير بلده .
والثالث : أن يكون بعضهم حاضرا في بلد الجاني وبعضهم غائبا عن بلده .
فأما الحال الأولى فهم على ضربين : أن يكونوا كلهم حاضرين في بلد الجاني
أحدهما : أن يتساووا في الدرج .
والثاني : أن يتفاضلوا في الدرج وكان بعضهم أقرب من بعض بدئ بالأقرب فالأقرب نسبا ، فيقدم الإخوة وبنوهم على الأعمام وبنيهم ، فإن تحملها الأقربون خرج منها الأبعدون ، وإن عجزوا عنها شركهم من بعدهم من الأباعد درجة بعد درجة حتى يستوفى ، فإن عجز عنها بعداؤهم شركهم مواليهم ، ثم عصبات مواليهم ، ثم بيت المال ، فإن استووا في الدرج ولم يتفاضلوا لم يخل قسم الدية فيهم من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون موافقة لعددهم لا تزيد عليهم ولا تنقص عنهم فتفض على جميعهم ولا يخص بها بعضهم دون بعض بحسب أحوالهم من إكثار وإقلال .
والقسم الثاني : أن تزيد على عددهم كأنهم يتحملون نصفها ويعجزون عن [ ص: 362 ] باقيها ، فتفض على ما احتملوا منها ، وينقل ما عجزوا عنه إلى الموالي ، فإن لم يكونوا فإلى بيت المال .
والقسم الثالث : أن تنقص الدية عن عددهم ويمكن أن تنقص على بعضهم ، لأنها تتقسط على مائة رجل وهم مائتان ففيه قولان :
أحدهما : أنها تقضى على جميعهم ولو تحمل كل واحد منهم قيراطا ، ولا يخص بها بعضهم لاستواء جميعهم فيها .
والقول الثاني : أنها تقضى على بعضهم دون جميعهم ويخص بها منهم العدد الذي يرافق تحملها ، ويكون من استغنى عنه خارجا منها ، ويكون الحاكم مخيرا في فضها على من شاء منهم ، لأنها تؤخذ بواجب وتترك بعفو ، والأولى أن يفضها على من كان أسرع إجابة إليها ، وإنما خص بها بعضهم ، لأنه لما تقدر ما يتحمله كل واحد منهم لم يجز الزيادة عليه لم يجز النقصان منه ، ونقل المزني عن الشافعي تعليل هذا القول في أخذها من بعضهم دون بعض ، لأن العقل لزم الكل ، واختلف أصحابنا فيما نقله من هذا التعليل هل وهم فيه أو سلم ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه وهم فيه وهو تعليل القول الأول ، وهذا قول أبي حامد المروزي .
والوجه الثاني : أنه سلم فيه ، ومن قال بهذا اختلفوا هل حصل في النقل عنه سهو أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه ما حصل فيه سهو ، وهو تعليل صحيح ، لهذا القول أنه يؤخذ من بعضهم دون بعض ، لأن العقل لزم الكل ، فإذا أخذ من بعضهم لم يخرج من جملة من لزمه من العقل فجاز الاقتصار عليه لدخوله في اللزوم .
والوجه الثاني : قد حصل في النقل عنه سهو ، ومن قال بهذا اختلفوا في المحذوف بالسهو على وجهين :
أحدهما : أن الذي نقله المزني : لا يأخذها من بعضهم دون بعض ، لأن العقل لزم الكل ، ويكون ذلك إشارة إلى القول الأول فسها الناقل عنه فحذف " لا " فصار القول الثاني .
والوجه الثاني : أن الذي نقله المزني يأخذها من بعضهم دون بعض ، لأن العقل لزم الكل وهو تعليل للقول الثاني إن لم يلزم الكل إذا أخذها من البعض فسها الناقل عنه في حذف الألف التي أسقطها من " لا أن " حين نقل " لأن " .