فصل : وإذا فلم يخل حالها من أن يوجب غرما سوى دية العقل أو لا يوجب ، فإن لم يوجب سوى دية العقل غرما كاللطمة واللكمة وما لا يؤثر من الخشب والمثقل في الجسد غير الألم فتستقر بها دية العقل ، ويكون ما عداه من ألم الضرب هدرا ، وهل يعزر به أم لا ؟ على وجهين : زال عقله بجناية مباشرة
أحدهما : لا يعزر لإيجابه دية العقل ، وغرمها أغلظ من التعزير .
والوجه الثاني : يعزر ، لأن غرم الدية في غير محل الألم ، فوجب أن لا يخلو من تعزير إذا خلا من غرم .
وإن أوجبت الجناية غرما سوى دية العقل من مقدر أو غير مقدر ففيه قولان :
أحدهما : وبه قال في القديم وهو مذهب أبي حنيفة : أنه إن كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالموضحة والمأمومة ، أو قطع إحدى الأذنين - دخل ذلك في دية العقل ، ولم يجب عليه أكثر منها ، وإن كان موجبا من الدية ، لقطع الأذنين وجدع الأنف ، دخلت فيه دية العقل وأخذ بدية الأذنين والأنف ليكون الأقل داخلا في الأكثر ، استدلالا بأن زوال العقل مسقط للتكليف فأشبه الموت .
والقول الثاني : قاله في الجديد وهو الأصح : أن دية العقل لا تسقط بما عداها ، ولا يسقط بها ما عداها ، سواء كان ما وجب بالجناية أقل من دية العقل كالمأمومة ، فيجب عليه ثلث الدية في المأمومة وجميع الدية في العقل ، أو كان ما وجب بالجناية أكثر من دية العقل كالأذنين والأنف ، فيجب عليه ثلاث ديات واحدة في العقل ، وثانية في الأذنين ، وثالثة في الأنف ، لرواية أبي المهلب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [ ص: 249 ] قضى على رجل رمى رجلا بخنجر في رأسه فأذهب عقله وسمعه ولسانه وذكره بأربع ديات ، ولأن ما اختلف محله لا يتداخل فيما دون النفس كالأطراف ، ولأن العقل عرض يختص بمحل مخصوص فلم يتداخل فيه أرش الجنايات كالسمع والبصر .