فصل : وإن بل كان عفوا وإبراء محضا فالعفو والإبراء لا ينتقل من جهة من وجبت عليه الدية إلى غيره بخلاف الوصية ، سواء أجرى عليه حكم الوصية أو حكم الإسقاط ، إلا أنه إن جرى عليه حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن جرى عليه حكم الإسقاط كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية دون ما حدث عنها ، لأن الإبراء منه كان قبل وجوبه ، وإذا كان كذلك لم يخل حال عفوه من ثلاثة أقسام : لم يخرج عفوه مخرج الوصية
أحدها : أن يتوجه إلى الجاني فيقول : قد عفوت عنك وعما يحدث بجنايتك .
فإن قيل : إن الدية وجبت ابتداء على العاقلة لم يبرءوا منها ، وكانوا مأخوذين بها ، لأن العفو عن غيرهم ، وإن قيل : إنها وجبت في الابتداء على الجاني ثم تحملها العاقلة عنه صح العفو عنها وبرئت العاقلة منها لتوجه العفو إلى محل الوجوب ، سواء جعل هذا العفو في حكم الوصايا أو الإبراء ، وسواء أجيزت الوصية للقاتل أو ردت ، لأن وجوب الدية على الجاني غير مستقر لانتقالها في الحال عنه إلى عاقلته فلم يكن في الوصية بها ما يمنع القتل منها إذا لم ينتقل إليه مالها ، لكن إن أجري عليه حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن أجري عليه حكم الإبراء أو الإسقاط كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية دون ما حدث بعدها بالسراية فيلزم العاقلة ما حدث بالسراية دون ما لزم بابتداء الجناية .
والقسم الثاني : أن يتوجه العفو إلى العاقلة فيقول : قد عفوت عن عاقلتك في جنايتك وما يحدث منها فيصح العفو عنهم ، سواء قيل بوجوبها عليهم ابتداء أو تحملا ، لأنهم محل استقرارها ، ولا مطالبة على الجاني بها ، لانتقالها عنه إلى من برئ منها ، لكن إن أجرى على العفو حكم الوصية كان عفوا عن جميع الدية ، وإن أجرى عليه حكم الإبراء كان عفوا عما وجب بابتداء الجناية ، وتؤخذ العاقلة بما حدث بالسراية .
[ ص: 207 ] والقسم الثالث : أن يكون العفو مطلقا فيقول : قد عفوت عنها وعما يحدث منها ، فيصح العفو على الأحوال كلها ، لتوجه العفو المطلق إلى محل الحق ، لكن إن أجرى عليه حكم الوصية صح في جميع الدية ، وإن أجرى عليه حكم الإبراء صح فيما وجب بالجناية وبطل فيما حدث بالسراية .