فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فصورة مسألتنا أن : يوكله في القصاص ، ثم يعفو عنه ويستوفيه الوكيل منه فهذا على ضربين
أحدهما : أن يعفو بعد اقتصاص الوكيل ، فيكون عفوه باطلا ، لأن عفوه بعد الاستيفاء كعفوه عن دين قد استوفاه وكيله ويكون عفوه بعد القبض باطلا .
والضرب الثاني : أن يعفو قبل أن يقتص الوكيل ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن تكون مسافة الوكيل أبعد من زمان العفو مثل أن يكون الوكيل على مسافة عشرة أيام ، ويعفو الموكل قبل القصاص بخمسة أيام ، فيكون عفوه باطلا لا حكم له كما لو رمى سلاحه على المقتص منه ، ثم عفا عنه قبل وصول السلاح إليه كان عفوه هدرا : لأنه عفو عما لا يمكن استدراكه .
والضرب الثاني : أن تكون مسافة الوكيل أقصر من زمان العفو ، مثل أن يكون الوكيل على مسافة خمسة أيام ويعفو الموكل قبل اقتصاص الوكيل بعشرة أيام ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يعلم الوكيل بعفو موكله قبل القصاص فيبطل حكم الإذن ويصير قاتلا بغير حق ، فيجب عليه القود ، ويكون الموكل على حقه من الدية إن لم يعف عنها على ما قدمناه من شرح القولين .
والضرب الثاني : أن لا يعلم الوكيل بعفو الموكل حتى يقتص فلا قود عليه ، لأنه مستصحب حالة إباحة ، فكانت أقوى شبهة في سقوط القود ، وفي وجوب الدية عليه قولان :
[ ص: 114 ] أحدهما : لا دية عليه استصحابا لحال الإباحة كالقود .
والقول الثاني : عليه الدية ، لأنه صادق الحظر بعد الإباحة ، فصار بعمد الخطأ أشبه ، وكالحربي إذا أسلم وقتله من لم يعلم بإسلامه ضمنه بالدية دون القود ، قد أسلم اليمان أبو حذيفة بن اليمان فقتله قوم من المسلمين لم يعلموا بإسلامه فقضى عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بديته ، ومن هذين القولين خرج أصحابنا بيع الوكيل بعد عزله وقبل علمه على وجهين :
أحدهما : أن بيعه باطل لمصادفته حال العزل ، وإن لم يعلم .
والثاني : أنه صحيح ما لم يعلم بعزله ، ومسألة اختلاف أصحابنا في نسخ الحكم هل يلزم من لم يعلم بالنسخ ، أم لا يلزمه إلا بعد علمه بنسخه : على وجهين :
أحدهما : لا يلزم إلا بعد انتشاره والعلم به ، لأن أهل قباء استداروا في صلاتهم إلى الكعبة حين بلغهم تحويل القبلة إليها .
والوجه الثاني : أن فرض النسخ لازم للكافة مع البلاغ ، وإن لم ينتشر في جميعهم ولا علمه أكثرهم ، لأن حكم الله تعالى على الجماعة واحد .