فصل : وأما القسم الثاني : وهو أن يكون الآمر بالقتل متغلبا فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يكون متغلبا بتأويل كمن ندب نفسه لإمامة أهل البغي ، فلا يخلو حال المأمور من أحد أمرين : إذا أمر بقتل رجل ظلما
إما أن يكون ممن يرى رأيه ، ويعتقد طاعته ، أو يكون مخالفا له ، فإن كان موافقا لرأيه معتقدا الطاعة فحكم المأمور معه كحكمه مع إمام أهل العدل إن لم يكن من الآمر إكراه وجب القود على المأمور دون الآمر ، وإن كان منه إكراه وجب القود على الآمر وفي وجوبه على المأمور قولان .
وإن كان ممن يخالفه في رأيه ، ولا يعتقد طاعته ففيه وجهان :
أحدهما : أن يغلب فيه حال المأمور لما يعتقده من مخالفة الآمر ، ويجري عليه حكمه مع الآمر إذا كان متغلبا باللصوصية على ما سنذكره .
والوجه الثاني : أن يغلب فيه حال الآمر ، ويجري عليه حكمه مع الآمر إذا كان إماما لأهل العدل لأمرين :
أحدهما : أنه لما كان الباغي مع إمام أهل العدل في حكم أهل العدل ، وجب أن يكون أهل العدل مع إمام أهل البغي في حكم أهل البغي .
والثاني : أن الشافعي أمضى أحكام قضائهم على أهل العدل وأهل البغي ، وجواز أخذ الزكاة وجباية الخراج منهما فاستويا في الحكم ، وإن اختلفا في المعتقد .
والضرب الثاني : أن يكون متغلبا باللصوصية إذا أمر بقتل رجل .
[ ص: 77 ] فالفرق بين أمره وأمر الإمام من ثلاثة أوجه متفق عليها ، ورابع مختلف فيه .
فأما الثلاثة المتفق عليها .
فأحدها : أن طاعة الإمام واجبة إلا فيما يعلم أنه ظلم ، وطاعة هذا المتغلب غير واجبة إلا فيما يعلم أنه حق .
والثاني : أن الظاهر من أمر الإمام بالقتل أنه يحق إلا أن يعلم أنه ظلم ، والظاهر من أمر المتغلب بالقتل أنه يظلم إلا أن يعلم أنه حق .
والثالث : أن اجتهاد الإمام فيمن يستبيح قتله من مسلم بكافر ، وحر بعبد نافذ ، واجتهاد هذا المتغلب فيه غير نافذ .
فإذا افترقا من هذه الأوجه الثلاثة اعتبر كل واحد منهما في الآمر إن كان إماما أو متغلبا فأجرى عليه حكمه على اختلاف أحكامهما في الجهتين .
وأما الرابع المختلف فيه فهو الإكراه ، وقد اختلف في حكم الإكراه هل يستويان فيه أو يختلفان على وجهين :
أحدهما : أنهما يستويان في الإكراه ، وإن اختلفا في الآمر من غير إكراه ، فعلى هذا إذا أمر المتغلب رجلا بالقتل من غير إكراه وجب على المأمور القود ، سواء علم بظلمه أو لم يعلم ، لأن الظاهر من أمره بالقتل أنه بغير حق ، ولا قود على الآمر لأنه غير مطاع في الظاهر ، ما لم يعلم أنه حق ، فصار المأمور هو المنفرد بالقتل ، والآمر مشير به ، وإن أكرهه الآمر المتغلب على القتل وجب على الآمر القود ، وفي وجوبه على المأمور قولان ، لاستواء الإمام والمتغلب في الإكراه .
والوجه الثاني : أنهما مختلفان في حكم الإكراه كما اختلفا في حكم الاختيار لأمرين :
أحدهما : أن في طاعة الإمام شبهة ليست في طاعة المتغلب .
والثاني : أن أمر الإمام عام في جميع البلاد ، لا يقدر على الخلاص منه ، وأمر المتغلب خاص في بعضها يقدر على الخلاص منه إذا انتقل إلى غيرها .
فعلى هذا إذا أكره المتغلب رجلا على القتل وجب القود على الآمر والمأمور جميعا ، وإن كان في مكره الإمام قولان : لما ذكر من الفرقين ، وإن كانا ضعيفين .