مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان أوصى له بشيء وقف حتى يصطلحا فيه " . قال الماوردي : يعني به هذا فالوصية على ضربين : أحدهما : أن يوصي له بعد ولادته . والثاني : أن يوصي له في حال حمله . فأما الضرب الأول في الوصية له بعد ولادته فلا يخلو موته من أن يكون بعد قبول الوصية أو قبلها ، فإن مات بعد قبول الوصية ، وقبولها قد يصح من وجوه ثلاثة : أحدها : أن يكون قد قبلها بعد بلوغه ، ومات قبل انتسابه . والثاني : أن يقبلها الحاكم له في صغره . والثالث : أن يقبلها له المتنازعان في نسبه فيصح قبولها ؛ لأن أحدهما أبوه ، فإن قبلها أحدهما لم يصح لجواز أن يكون أجنبيا ، وإن قبلتها أمه ، ففي صحة قبولها وجهان من اختلاف الوجهين في ثبوت ولايتها عليه عند فقد الأب ، وإن مات قبل قبولها لم يبطل بموته وكان قبولها موقوفا على اجتماع ورثته على قبولها ، وهو أن تجتمع الأم مع المتنازعين على القبول فيصح ؛ لأنه حق لهم ورثوه عنه فلا يصح إلا [ ص: 306 ] باجتماعهم ، فإن تفردت الأم بالقبول صح في حقها ، وإن تفرد المتنازعان بالقبول صح في حقها ، وإن تفرد أحدهما بالقبول لم يصح في واحد من الحقين ، وإن قبل الحاكم لم يصح قبوله ، وإن صح في حياة الموصى له ؛ لأن الوصية في هذه الحال لمن لا ولاية له عليه ، وفي تلك الحال لا مولى عليه فإذا صح قبول الوصية على ما ذكرنا فهي موروثة عنه يمين أمه وأبيه وللأم في قدر ميراثها منه ثلاثة أحوال : حال تستحق فيها الثلث يقينا ، وحال تستحق فيها السدس يقينا ، وحال شك في استحقاقها لثلث أو سدس . فأما الحال المتيقن فيها استحقاقها للثلث فهو أن لا يجتمع للميت أخوان متحققان إما بأن لا يكون لها ولا لأحد من المتنازعين ولد ويكون لها ولد ، وليس لواحد منهما ولد ، أو يكون لكل واحد منهما ولد واحد ، وليس لها ولد فمستحق الثلث في هذه الحال ؛ لأنها غير محجوبة عنه لفقد الأخوين ، ويكون الثلثان الباقيان بعد ثلثها موقوفين على المتنازعين حتى يصطلحا عليه عن تراض ، إما بالتساوي فيه أو بالتفاضل أو بانفراد أحدهما به . وأما الحال المتيقن فيها استحقاقها للسدس فهو أن يجتمع للميت أخوان متحققان إما بأن يكون لها ولدان فيكونا أخوين من أم ، وإما بأن يكون لكل واحد من المتنازعين ولد فيكون له أخوان أحدهما من أم والآخر من أب وأم فيحجبونها إلى السدس فتعطاه ، ويكون ما عداه موقوفا بين المتنازعين حتى يصطلحا عليه . وأما الحال المشكوك في استحقاقها لثلث أو سدس فهو أن يكون للميت أخوان في حال وواحد في حال ، وذلك بأن يكون لأمه ولد ولأحد المتنازعين ولد ، وليس للآخر ولد أو يكون لأحدهما ولدان ، وليس للآخر إلا ولد واحد ، فقد ترث الأم إن لحق بصاحب الولدين السدس ، وإن لحق بصاحب الولد الواحد الثلث وفي قدر ما يستحقه مع هذا الشك وجهان حكاهما الولد الموقوف نسبه إذا أوصى له بوصية ، ثم مات أبو إسحاق المروزي : أحدهما : تعطى السدس ؛ لأنها لا تورث بالشك ويكون السدس الآخر موقوفا بينها وبين المتنازعين حتى يصالحنها عليه ، وتكون ما عداه موقوفا عليها حتى يصطلحا عليه . والوجه الثاني : أن تعطى الثلث ؛ لأنها لا تحجب بالشك ، فإن بان حجبها رجع عليها بالسدس الزائد على حقها إن لم يبن فلا رجوع . قال أبو إسحاق : والأول أحوط والثاني أقيس .