[ ص: 221 ] باب العدة من الموت والطلاق وزوج غائب .
مسألة : قال الشافعي رحمه الله " وإذا علمت المرأة يقين موت زوجها أو طلاقه ببينة أو أي علم اعتدت من يوم كانت فيه الوفاة والطلاق وإن لم تعتد حتى تمضي العدة لم يكن عليها غيرها ؛ لأنها مدة وقد مرت عليها وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " تعتد من يوم تكون الوفاة أو الطلاق " وهو قول عطاء وابن المسيب والزهري " .
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا فعدتها إذا علمت بطلاقها أو موته من حين الطلاق أو الموت لا من وقت العلم بذلك ، وسواء علمت ذلك ببينة أو خبر . وبه قال أكثر الصحابة والتابعين والفقهاء ، وحكي عن غاب الزوج عن امرأته ثم طلق ، أو مات في غيبته علي بن أبي طالب عليه السلام أن أول عدتها من وقت علمها بطلاقه أو موته ، ولا تعتد بما مضى سواء علمت ببينة أو خبر . وبه قال داود . وقال عمر بن عبد العزيز : إن علمت ذلك ببينة اعتدت بما مضى ، وإن علمته بخبر اعتدت من وقتها استدلالا بقول الله سبحانه والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] والتربص فعل منها مقصود فخرج ما تقدم منه ، وبما روي فريعة بنت مالك قتل زوجها في سفر بالقدوم فلما علمت بقتله أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته ، فقال لها : امكثي في بيتك أربعة أشهر وعشرا فأمرها باستئناف العدة لوقتها ولم يعتبر بها ما مضى ؛ ولأنها أن ، وهي قبل علمها غير قاصدة لأحكام العدة ؛ فلذلك لم تكن في عدة . ودليلنا قول الله : مأمورة في العدة بالإحداد ، واجتناب الطيب وأن لا تخرج عن مسكنها فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] أي في الوقت الذي تعتدن فيه فدل على اتصال العدة بالطلاق ؛ ولأنها لو وضعت حملها انقضت به عدتها ، وإن [ ص: 222 ] لم تعلم بطلاقها كذلك إذا أمضت أقراءها وشهورها ؛ ولأنه لا يخلو حالها قبل علمها بطلاقها من أن تكون زوجة أو مطلقة فبطل أن تكون زوجة ؛ لأنه لو مات لم ترثه فثبت أنها مطلقة ، والمطلقة لا يخلو أن يجري عليها حكم العدة أو لا يجري عليها فبطل أن لا يجري عليها ؛ لأنها لو تزوجت غيره بطل نكاحها ، وإذا جرى عليها حكم العدة وجب أن تجريها عليها كالعالمة ؛ ولأن هي التربص بنفسها عن الأزواج في المدة المقدرة لها وذلك موجود وإن لم تعلم فلم يكن فقد العلم مؤثرا كالصغيرة والمجنونة : لأن النية فيها غير معتبرة ؛ ولأنها لو علمت فنوت أنها غير معتدة وتركت الإحداد ، واستعملت الطيب وخرجت من منزلها ، ولم تتزوج حتى مضت مدة العدة أجزأتها ، وإن كانت عاصية فيما فعلت واعتقدت ، والتي لم تعلم غير عاصية فكان بأن يجزئها أولى . فأما الجواب عن الآية فهو وجود التربص المأمور به فيها مع العلم والجهل فاقتضى إجزاءه في الحالين . وأما الجواب عن حديث العدة فريعة فهو أن أمرها بالمكث يحتمل الابتداء ، ويحتمل الاستدامة ، فلم يكن فيه مع الاحتمال دليل . وأما الجواب عن استدلالهم فإنها غير قاصدة للعدة فهو أن القصد غير معتبر بما ذكرنا والإحداد ليس بشرط فيها - على ما وصفنا وليس للجهل بحالها تأثير إلا في العقد الذي لا يعتبر وترك الإحداد الذي لا يشترط فصح الإجزاء والله أعلم .