مسألة : قال الشافعي : " ولو ، ثبت نكاحهن باختياره ، وانفسخ نكاح البواقي " . كن خمسا فأسلمت واحدة في العدة ، فقال : قد اخترت حبسها حتى قال ذلك لأربع
قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا تزوج المشرك بأكثر من أربع كأنه تزوج ثماني زوجات ثم أسلم ، وأسلم معه منهن أربع ، فهو بالخيار بين ثلاثة أمور ذكرناها :
[ ص: 281 ] أحدها : أن الخيار للأربع المسلمات فينفسخ باختياره لهن نكاح الأربع المشركات سواء أسلمن في عددهن أم لا ؟ وهذا لو فسخ نكاح الأربع المتأخرات كان اختيار النكاح للأربع المسلمات : لأن الاختيار والفسخ يتقابلا ، فكان في كل واحد منهما دليل على الآخر .
والثاني : أن يمسك عن اختيار الأربع المسلمات : انتظارا لإسلام الأربع المشركات ، فيكون له ذلك ، فإن لم يسلمن حتى مضت عددهن ، ثبت نكاح الأربع المتقدمات ، وإن أسلمن في عددهن ، كان له أن يقيم على أربع من أيتهن شاء : إما الأربع المتقدمات ، وإما الأربع المتأخرات ، وإما على بعض المتقدمات ، ويستكمل أربعا من المتأخرات ، فلو مات الأربع المتقدمات ، ثم أسلم الأربع المتأخرات ، كان خياره باق في الموتى كبقائه في الأحياء : لأن اختياره لهن إبانة عن تقدم نكاحهن ، فإن اختار الأربع الموتى ، انفسخ نكاح الأحياء ، وكان له الميراث من الموتى ومتن في زوجيته ، وإن اختار الأربع الأحياء ، ثبت نكاحهن ، وبان به فسخ نكاح الأربع الموتى ، وإنهن متن أجنبيات فلم يرثهن ، وإن اختار بعض الأحياء وبعض الموتى فعلى ما مضى .
والثالث : أن يختار الزوج عند إسلام الأربع معه بعضهن ، وينتظر إسلام الباقيات ، كأنه اختار من الأربع اثنتين وتوقف عن الاثنتين الباقيتين : انتظارا لإسلام الأربع المتأخرات ، فثبت نكاح الاثنتين المختارتين ، فإذا أسلم الأربع المتأخرات كان له أن يختار من الجميع - وهن ست - اثنتين تمام أربع من أيتهن شاء ، وينفسخ نكاح الأربع الباقيات .
فإذا تقررت هذه الجملة ، فمسألة الكتاب أن يقول - وقد أسلم معه من الثماني واحدة - : قد اخترتها ، ثم تسلم ثانية فيقول : قد اخترتها ، ثم تسلم ثالثة فيختارها ، ثم تسلم رابعة فيختارها ، فقد ثبت نكاح الأربع المسلمات لاختيار كل واحدة بعد إسلامها ، وانفسخ به نكاح الأربع المتأخرات ثم تراعى أحوالهن ، وإن لم يسلمن حتى انقضت عددهن وقعت الفرقة باختلاف الدينين من وقت إسلام الزوج ، وإن أسلمن في عددهن وقعت الفرقة بالاختيار واستأنفن العدة من وقت اختياره الرابعة : لأن باختيارها ممن سواها ، فلا يكون الفسخ طلاقا سواء وقع باختلاف الدينين أو بالاختيار .
وقال أبو حنيفة : إن وقع الفسخ بإسلام الزوجة ، وتأخر الزوج كان طلاقا ، وإن وقع الفسخ بإسلام الزوج وتأخر إسلام الزوجة لم يكن طلاقا .
وكلا المذهبين خطأ : لأن ما وقعت الفرقة فيه بغير طلاق لم يكن طلاقا كسائر الفسوخ ، والله أعلم .