مسألة : قال الشافعي : " ولو لم يكن هذا شيئا إلا أن يريد طلاقا ، فإن اختار إمساك أربع فقد انفسخ نكاح من زاد عليهن ( قال قال : كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها المزني ) رحمه الله : القياس عندي على قوله أنه إذا كان ذلك موقوفا ، فإن اختارها كان عليه فيها ما عليه في الزوجات ، وإن فسخ نكاحها سقط عنه الظهار والإيلاء ، وجلد بقذفها " . أسلم وعنده أكثر من أربع وأسلمن معه فقذف واحدة منهن أو ظاهر أو آلى
[ ص: 282 ] قال الماوردي : وصورتها في مشرك تزوج بثماني زوجات ثم أسلم قبلهن فيتعلق بها ثلاثة فصول :
أحدها : أن يقول لنسائه كلما أسلمت منكن فقد اخترت إمساكها ، فهذا لا يصح لمعنيين :
أحدهما : أنه اختيار معلق بصفة ، والاختيار للنكاح لا يجوز أن يعلق بصفة .
والثاني : أنه اختيار لمبهمة غير معينة ، والاختيار لا يصح إلا لمعينة كالنكاح .
والفصل الثاني : أن يقول لهن : كلما أسلمت واحدة ، فقد فسخت نكاحها ، فهذا لا يصح لمعنيين :
أحدهما : أنه فسخ معلق بصفة ولا يجوز تعلق الفسخ بالصفات .
والثاني : أنه فسخ قبل وقت الفسخ : لأنه يستحق فسخ من زاد على الأربع ، وقد يجوز أن لا يسلم أكثر من أربع ، فلا يستحق فيه فسخ نكاحهن .
والفصل الثالث : أن ففيه وجهان : يقول لهن : كلما أسلمت واحدة فقد طلقتها
أحدهما : أنه يصح لأن ، فإذا أسلم منهن أربع طلقن ، وكان ذلك اختيارا لهن : لأن الطلاق لا يقع على زوجة ، وينفسخ نكاح الأربع الباقيات : لأن الطلاق في المتقدمات قد يتضمن اختيارهن ، فصار فسخا لنكاح من سواهن ، وهذا هو الظاهر من كلام الطلاق يجوز تعليقه بصفة الشافعي : لأنه قال : " ولو قال : كلما أسلمت واحدة فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكن هذا شيئا إلا أن يريد به طلاقها ، فدل على أنه لو صح طلاقها . قال : كلما أسلمت واحدة ، فقد طلقتها
والفرق بين الفسخ في أن لا يجوز تعليقه بصفة ، وبين الطلاق في أن جواز تعليقه بالصفة أن فلم يجز تعليقه بالصفة لعدم التمييز المقصود فيه ، الفسخ موضوع لتمييز الزوجة عن الزوجة لوجود حل النكاح به . والطلاق حل لنكاح الزوجة فجاز تعلقه بالصفة
والوجه الثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وطائفة معه - : أن قوله للثماني المشركات كلما أسلمت واحدة فهي طالق ، لا يصح : لأن الطلاق ، وإن جاز تعلقه بالصفة ، فهذا الطلاق هاهنا لا يجوز تعليقه بالصفة : لأنه يتضمن اختيارا أو فراقا ، ولا يجوز تعليق الاختيار بالصفة ، كذلك لا يجوز تعليق الطلاق الذي قد تضمن اختيار الصفة ، ويتأول قائل هذا الوجه كلام الشافعي هاهنا بتأويلين :
أحدهما : أن قول الشافعي : " كلما أسلمت واحدة فقد اخترت فسخ نكاحها ، لم يكن هذا شيئا إلا أن يريد طلاقها " فيصح ، ويقع الطلاق ، إذا كان زوجاته في الشرك أربعا لا يزدن عليها ، فيقع طلاق كل واحدة منهن إذا أسلمت : لأنه طلاق محض لا يتضمن اختيارا فجاز تعليقه بالصفة .
والتأويل الثاني : أن كلام الشافعي حكاية عن حال الزوج ، وليس من لفظ الزوج ، [ ص: 283 ] ويكون معنى قوله : " كلما أسلمت واحدة " أن الزوج قال عند إسلام كل واحدة : قد فسخت نكاحها ، يريد الطلاق ، طلقت : لأنه لو اختارها في هذه الحال ، صح فصح أن يطلقها ، فعلى هذا لو أسلم معه الثماني كلهن ، فقال لهن : أيتكن دخلت الدار فقد فسخت نكاحها : لأنه فسخ بصفة ، ولو قال : أيتكن دخلت الدار فهي طالق ، كان على ما ذكرنا من الوجهين :
أحدهما : لا يصح : لأنه يتضمن اختيارا بصفة .
والثاني : يصح : تغليبا لحكم الطلاق .
فإذا دخلها أربع طلقن ، وانفسخ نكاح الباقيات ، فيصير الطلاق معلقا به ثلاثة أحكام :
أحدها : اختيار المطلقات .
والثاني : فراقهن .
والثالث : فسخ نكاح من عداهن ، فعلى هذا لو دخل الثماني الدار كلهن في حالة واحدة ، لم يتقدم بعضهن بعضا ، ووقع الطلاق على الزوجات الأربع منهن وجها واحدا : لأنه طلاق لا يتضمن الاختيار .
وقيل له : اختر أربعا منهن ، فإذا اختارهن تعين وقوع الطلاق فيهن ، وانفسخ نكاح الباقيات بغير طلاق ، والله أعلم .