مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " أصل ما يقوم به الولاة من جمل المال ثلاثة وجوه أحدها فذلك لأهل الصدقات لا لأهل الفيء ، والوجهان الآخران ما أخذ من مال مسلم تطهيرا له فأحدهما الغنيمة قال تبارك وتعالى : ما أخذ من مال مشرك فكلاهما مبين في كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] الآية والوجه الثاني : هو الفيء قال الله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى [ الحشر : 17 ] الآية . ( قال الشافعي ) - رحمه الله - : في الآيتين معا سواء ، ثم تفترق الأحكام في الأربعة الأخماس بما بين الله تبارك وتعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفي فعله ، فإنه قسم أربعة أخماس الغنيمة على ما وصفت من قسم الغنيمة وهي الموجف عليها بالخيل والركاب لمن حضر من غني وفقير ، فالغنيمة والفيء يجتمعان في أن فيهما معا الخمس من جميعهما لمن سماه الله تعالى له فكانت سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قرى عربية أفاءها الله عليه أربعة أخماسها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون المسلمين يضعه حيث أراه الله تعالى . قال والفيء هو ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حيث اختصم إليه العباس وعلي - رضي الله عنهما - في أموال النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصة دون المسلمين ، فكان ينفق منها على أهله نفقة سنة فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم وليها عمر بمثل ما وليها به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فوليتكماها على أن تعملا فيها بمثل ذلك ، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها . ( قال الشافعي ) : وفي ذلك دلالة على أن عمر - رضي الله عنه - حكى أن أبا بكر وهو أمضيا ما بقي من هذه الأموال التي كانت بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما رأيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به فيها وأنه لم يكن لهما مما لم يوجف عليه من الفيء ما للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنهما فيه أسوة المسلمين ، وكذلك سيرتهما وسيرة من بعدهما وقد مضى من كان ينفق عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أعلم أحدا من أهل العلم قال : إن [ ص: 386 ] ذلك لورثتهم ولا خالف في أن تجعل تلك النفقات حيث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجعل فضول غلات تلك الأموال فيما فيه صلاح للإسلام وأهله ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قال : فما صار في أيدي المسلمين من فيء لم يوجف عليه فخمسه حيث قسمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأربعة أخماسه على ما سأبينه ، وكذلك ما أخذ من مشرك من جزية وصلح عن أرضهم ، أو أخذ من أموالهم إذا اختلفوا في بلاد المسلمين ، أو مات منهم ميت لا وارث له ، أو ما أشبه هذا مما أخذه الولاة من المشركين ، فالخمس فيه ثابت على من قسمه الله له من أهل الخمس الموجف عليه من الغنيمة ، وهذا هو المسمى في كتاب الله تبارك وتعالى الفيء ، وفتح في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتوح من قرى عربية وعدها الله رسوله قبل فتحها فأمضاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن سماها الله ولم يحبس منها ما حبس من القرى التي كانت له - صلى الله عليه وسلم - ، ومعنى قول لا يقتسمن ورثتي دينارا ، ما تركت بعد نفقة أهلي ومؤنة عاملي فهو صدقة عمر لرسول الله خاصة يريد ما كان يكون للموجفين وذلك أربعة أخماس ، فاستدللنا بذلك أن خمس ذلك كخمس ما أوجف عليه لأهله وجملة الفيء ما رده الله على أهل دينه من مال من خالف دينه " .
قال الماوردي : أما ، قال الغنيمة فهي من الغنم والغنم مستفاد بغير بدل امرؤ القيس :
وقد طوفت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة بالإياب
وأما ومنه قوله تعالى : الفيء فهو الرجوع حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ولذلك قيل لما بعد الزوال من الظل فيء . لرجوعه والأنفال لما قبل الزوال فيء إلا على وجه المجاز ، قال امرؤ القيس :
تيممت العين التي عند ضارج يفيء عليها الظل عرمضها طامي