مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وينبغي أن يقول لغرماء المفلس ارتضوا بمن يكون على يديه الثمن وبمن ينادي على متاعه فيمن يزيد ، ولا يقبل الزيادة إلا من ثقة " .
قال الماوردي : أما الرهن والعبد الجاني إذا بيعا على المفلس لم يجز حبس ثمنهما ، وعجل للمرتهن حقه من ثمن الرهن وللمجني عليه أرشه من ثمن العبد الجاني ، وأما ، فإن كان واحدا لم يحبس عنه ثمن ما بيع : لأنه لا مشاركة له فيه ، وإن كانوا جماعة وجب أن يحبس أثمان المبيعات حتى تتكامل جميعها ولا يعجل بقسم ما حصل من أثمان بعضها لأمرين : سائر أموال المفلس إذا بيعت فلا يخلو أن يكون غريمه واحد أو جماعة
أحدهما : أن يعلم قدر جميعها على دينه وقبل تكاملها يثق عليه .
والثاني : أنه ربما تأخر غريم له لا يعلم به فيحضر عند علمه ، وإذا كان كذلك فينبغي للحاكم أن يضعها على يد عدل ولا يضعها عند نفسه لما فيه من البذلة ولحوق التهمة [ ص: 315 ] وينبغي للحاكم أن يبيع متاعه فيمن يزيد ، فإن كان أشهر لحاله وأقر لثمنه وأبعد من التهمة فيحتاج حينئذ إلى مناد ثقة ينادي على المتاع فيمن يزيد وإلى عدل يجمع المال عنده إلى حين تكامله ، فيقول للمفلس والغرماء : اختاروا مناديا ينادي على متاعه وعدلا يكون المال موضوعا على يديه ، فإن اجتمعوا على اختيار رجل بعينه نظر الحاكم في عدالته وأمانته ، فإن كان أمينا أمضى اختيارهم له وأقر ذلك على يديه .
وإن كان غير أمين لم يمض اختيارهم وأمرهم باختيار غيره من الأمناء الثقات .
فإن قيل : أليس لو اختار الراهن والمرتهن أن يضع الرهن على يد غير أمين لم يكن للحاكم عليهم اعتراض ، فهلا إذا اختار المفلس والغرماء وضع المال على يد غير أمين أن لا يكون للحاكم عليهم اعتراض ؟ قلنا : الفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أنه لما لم يكن للحاكم نظر في الرهن على الراهن والمرتهن لم يكن له اعتراض عليهم في الاختيار ، ولما كان للحاكم نظر في مال المفلس اعترض عليهم في الاختيار .
والثاني : أن حق الراهن والمرتهن لا يتجاوزهما فلم يجز للحاكم أن يعترض عليهما في الاختيار ، وحق المفلس والغرماء قد ربما تجاوزهم إلى غريم غائب فجاز لحقه أن يعترض عليهم في الاختيار ، وأما فإن للحاكم أن ينظر في الرجلين ، فإن وجد أحدهما أمينا عدلا والآخر غير أمين كان الأمين أولى وأقره الحاكم على الاختيار ، فإن كانا أمينين معا نظر ، فإن كان أحدهما متطوعا والآخر مستجعلا كان المتطوع أولى ، وإن كانا متطوعين أو مستجعلين فإن أمكن أن يضم أحدهما إلى الآخر فعل فإنه أولى لما فيه من الاختلاط وإقرار كل واحد منهما على الاختيار ، وإن لم يمكن ضم أحدهما إلى الآخر اختار الحاكم أوثقهما عنده وأعدلهما في نفسه ، قال إن اختلف المفلس والغرماء في الاختيار فاختار المفلس رجلا واختار الغرماء غيره الشافعي : ولا يقبل إلا ثقة ، وقال في موضع آخر : ولا يقبل إلا من ثقة ، ولكل واحد من الكلامين تأويل ، فمعنى قوله : ولا يقبل إلا ثقة : يريد : أن المفلس والغرماء إذا اتفقوا على اختيار رجل لم يقبل الحاكم إلا أن يكون ثقة .
ومعنى قوله : ولا يقبل إلا من ثقة : يعني به المتولي لبيع المتاع لا يقبل الزيادة ممن يزيد في الثمن عند المزايدة إلا أن يكون ثقة لا يرجع عن زيادته لما في رجوعه من الفساد ( والله أعلم ) .