مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أذن له أن يبيعه على أن يعطيه ثمنه لم يكن له بيعه لأنه لم يأذن له إلا على أن يعجله حقه قبل محله والبيع مفسوخ به وهو رهن بحاله ( قال المزني ) قلت أنا : أشبه بقول الشافعي في هذا المعنى أن لا يفسخ الشرط البيع لأن عقد البيع لم يكن فيه شرط ألا ترى أن من قوله لو أمرت رجلا أن يبيع ثوبي على أن له عشر ثمنه فباعه أن البيع جائز يفسخه فساد الشرط في الثمن وكذا إذا باع الراهن بإذن المرتهن فلا يفسخه فساد الشرط في العقد ( قال المزني ) قلت أنا : وينبغي إذا نفذ البيع على هذا أن يكون الثمن مكان الرهن أو يتقاصان " .
قال الماوردي : اعلم أن لهذه المسألة مقدمة يبنى الجواب عليها .
[ ص: 73 ] وصورتها في ففيه قولان : رهن أذن المرتهن للراهن في بيعه على أن يكون ثمنه رهنا مكانه ،
أحدهما : وهو قوله في الإملاء : أن هذا الإذن صحيح ، فإذا بيع الرهن كان البيع صحيحا ولم يبطل الرهن ، وكان الثمن رهنا مكانه لأن نقل عين الرهن إلى بدل يكون مكانه لا يقتضي فساد الرهن ، كما لو أتلف الرهن متلف فأغرم القيمة لم يفسد الرهن وكانت القيمة رهنا مكانه ، كذلك إذا باعه على شرط أن يكون الثمن رهنا مكانه .
والقول الثاني : نص عليه في كتاب الأم وهو الصحيح : أن هذا الإذن فاسد ، والبيع فاسد ، ويكون الرهن بحاله : لأن هذا الإذن يقتضي ارتهان الثمن ، والثمن الذي يحصل فيه مجهول ، وارتهان المجهول باطل ، وإذا بطل الشرط بطل الإذن وإذا بطل الإذن بطل البيع وكان الرهن بحاله .
فأما إذا رهنه بهذا الشرط وهو أن فهذا رهن باطل قولا واحدا لأنه لم يجعله رهنا مستقرا فكان باطلا . يقول : قد رهنتك عبدي هذا على أن يباع ويكون ثمنه رهنا مكانه ،
فصل : فإذا ثبت جواب هذه المسألة المتقدمة فصورة مسألة الكتاب أن . يأذن المرتهن للراهن في بيع الرهن على أن يعجل الثمن قصاصا من حقه المؤجل
قال الشافعي رضي الله عنه الإذن فاسد والبيع مفسوخ ، ونص في المسألة الأولى على قولين فاختلف أصحابنا ، فكان أبو إسحاق المروزي يخرج هذه المسألة على قولين كالمسألة الأولى ، أحد القولين : أن الإذن فاسد ، والبيع مفسوخ ، والرهن بحاله .
والقول الثاني : أن الإذن صحيح والبيع ماض والشرط مفسوخ ويكون الثمن رهنا مكانه ولا يلزمه تعجيله .
وقال سائر أصحابنا من البغداديين وكثير من غيرهم : إن الإذن في هذه المسألة فاسد ، والبيع مفسوخ قولا واحدا .
والفرق بين هذه المسألة والمسألة الأولى أنه لما صح الشرط في تلك المسألة على أحد القولين وهو أن يكون الثمن رهنا مكانه صح الإذن على أحد القولين أيضا ، ولما فسد الشرط في هذه المسألة قولا واحدا وهو تعجيل الثمن من حقه قبل محله فسد البيع والإذن قولا واحدا فوضح الفرق بينهما .
فصل : فأما المزني فإنه ذهب إلى صحة الإذن وجواز البيع وفساد الشرط ، فقال : البيع [ ص: 74 ] صحيح ، والشرط في تعجيل الثمن فاسد ويكون الثمن رهنا مكانه أو قصاصا لما مضى من أحد القولين وهو مذهب أبي حنيفة استدلالا بأن الشرط في الإذن ليس بشرط في البيع فصح البيع بخلوه من الشرط ، وإن كان في الإذن شرط كما لو فباعه الوكيل كان البيع جائزا ، وإن كان الشرط فاسدا ، كذلك المرتهن إذا أذن له في بيعه على أن يعجل له ثمنه كان البيع جائزا وإن كان الشرط فاسدا . قال الرجل لوكيله : بع ثوبي على أن لك عشر ثمنه
وهذا الذي قاله المزني ليس بصحيح ، والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن الشرط في الوكالة كان في الأجرة دون الإذن فصح البيع لصحة الإذن ، وفسدت الأجرة لأجل الشرط وكان للوكيل أجرة مثله ، والشرط في مسألتنا في الإذن ، فلذلك فسد من أجله البيع : لأن صحة البيع لصحة الإذن .
والوجه الثاني : أن الشرط في الوكالة إن لم يكن الوفاء به وهو عشر الثمن ، أمكن الوفاء بما قام مقامه وهو أجرة المثل فصار الشرط وإن لم يكن لازما قبوله لازم فصح البيع ، ولما كان في مسألتنا لا يصح الشرط في تعجيل الحق ، وليس له بدل يقوم مقامه فبطل الشرط فكذلك بطل البيع والله أعلم .