الفصل الثالث : في ، وهو ثمانية : النص ، والإيماء ، والمناسبة ، والشبه ، والدوران ، والسبر ، والطرد ، وتنقيح المناط . الدال على العلة
فالأول : النص على العلة ، وهو ظاهر .
والثاني : الإيماء ، وهو خمسة : الفاء نحو قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد ) . وترتيب الحكم على الوصف نحو ترتيب الكفارة على قوله : واقعت أهلي في شهر رمضان . قال الإمام فخر الدين : سواء كان مناسبا ، أو لم يكن ، وسؤاله عليه السلام عن وصف المحكوم عليه نحو قوله عليه السلام : أينقص الرطب إذا جف . وتفريق الشارع بين شيئين في الحكم نحو قوله عليه السلام : القاتل لا يرث .
أو ورود النهي عن فعل يمنع ما تقدم وجوبه .
الثالث : المناسب : ما تضمن تحصيل مصلحة ، أو درء مفسدة . فالأول كالغنى علة لوجوب الزكاة ، والثاني كالإسكار علة لتحريم الخمر .
والمناسب ينقسم إلى ما هو في محل الضرورات ، وإلى ما هو في محل الحاجات ، وإلى ما هو في محل التتمات ، فيقدم الأول على الثاني ، والثاني على الثالث عند التعارض .
فالأول نحو الكليات الخمس : وهي حفظ النفوس ، والأديان ، والأنساب ، والعقول ، والأموال ، وقيل : والأعراض .
والثاني مثل تزويج الولي الصغيرة ، فإن النكاح غير ضروري لكن الحاجة تدعو إليه في تحصيل الكفء لئلا يفوت .
والثالث : ما كان حثا على مكارم الأخلاق كتحريم تناول القاذورات ، [ ص: 128 ] وسلب أهلية الشهادات عن الأرقاء ، ونحو الكتابات ، ونفقات القرابات ، وتقع أوصاف مترددة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة ، فإن شرعيته ضرورية صونا للأطراف ، وللأعضاء ، وإن أمكن أن يقال ليس منه لأنه يحتاج الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير ، وقد يتعذر .
ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد : أن نفقة النفس ضرورية ، والزوجات حاجية ، والأقارب تتمة ، واشتراط العدالة في الشهادة ضروري صونا للنفوس والأموال ، وفي الإمامة على الخلاف حاجة لأنها شفاعة ، والحاجة داعية لإصلاح حال الشفيع ، وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب يزعه طبعه عن الوقوع في العار ، والسعي في الإضرار ، وقيل : حاجية على الخلاف .
ولا تشترط في الإقرار لقوة الوازع الطبعي ، ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ، ولو أفضت إلى مخالفة القواعد ، وهي ضرورية مؤثرة في الترخيص كالبلد الذي يتعذر فيه العدول قال ابن زيد في النوادر : تقبل شهادة أمثلهم حالا لأنه ضرورة ، وكذلك يلزم في القضاة ، وولاة الأمور ، وحاجية في الأوصياء على الخلاف في عدم اشتراط العدالة ، وتمامية في السلم ، والمساقاة ، وبيع الغائب ، فإن في منعها مشقة على الناس ، وهي من تتمات معاشهم .
وهو أيضا ينقسم إلى : ما اعتبره الشرع ، وإلى ما ألغاه ، وإلى ما جهل حاله .
والأول ينقسم إلى : ما اعتبر نوعه في نوع لحكم كاعتبار نوع الإسكار في نوع التحريم ، وإلى ما اعتبر جنسه في جنسه كالتعليل بمطلق المصلحة كإقامة الشرب مقام القذف لأنه مظنته ، وإلى ما اعتبر نوعه في جنسه كاعتبار الأخوة في التقديم في الميراث ، فتقدم في النكاح ، وإلى ما اعتبر جنسه في نوع الحكم ، [ ص: 129 ] كإسقاط الصلاة عن الحائض بالمشقة ، فإن المشقة جنس ، وهو أي : الإسقاط نوع من الرخص ، فتأثير النوع في النوع مقدم على تأثير النوع في الجنس ، وتأثير النوع في الجنس مقدم على تأثير الجنس في النوع ، وهو مقدم على تأثير الجنس في الجنس .
والملغى : نحو المنع من زراعة العنب خشية الخمر .
والذي جهل أمره : هو المصلحة المرسلة التي نحن نقول بها ، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب .
الرابع : الشبه قال القاضي أبو بكر : هو الوصف الذي لا يناسب بذاته ، ويستلزم المناسب لذاته ، وقد شهد الشرع لتأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب ، والشبه يقع في الحكم كشبه العبد المقتول بالحر ، وشبهه بسائر المملوكات ، وعند يقع الشبه في الصورة كرد الجلسة الثانية إلى الجلسة الأولى في الحكم . ابن علية
وعند الإمام : التسوية بين الأمرين إذا غلب على الظن أنه مستلزم للحكم ، أو لما هو علة للحكم صح القياس ، وهو ليس بحجة عند القاضي منا .
الخامس الدوران : وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف ، وعدمه مع عدمه ، وفيه خلاف ، والأكثرون من أصحابنا ، وغيرهم يقولون بكونه حجة .
السادس السبر ، والتقسيم : وهو أن يقول : إما أن يكون الحكم معللا بكذا ، أو بكذا ، أو بكذا ، والكل باطل إلا كذا ، فيتعين .
السابع الطرد : وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف ، وليس مناسبا ، ولا مستلزما للمناسب ، وفيه خلاف .
الثامن تنقيح المناط : وهو إلغاء الفارق ، فيشتركان في الحكم .