الثامنة : في ، وهو في غرضنا هاهنا أقسام : رواية المجهول
( أحدها ) : المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعا ، وروايته غير مقبولة عند الجماهير على ما نبهنا عليه أولا .
( الثاني ) : المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة ، وهو عدل في [ ص: 112 ] الظاهر ، وهو المستور ، فقد قال بعض أئمتنا : " المستور من يكون عدلا في الظاهر ، ولا تعرف عدالة باطنه " . فهذا المجهول يحتج بروايته بعض من رد رواية الأول ، وهو قول بعض الشافعيين وبه قطع منهم ، قال : " لأن أمر الأخبار مبني على حسن الظن بالراوي ؛ ولأن رواية الأخبار تكون عند من يتعذر عليه معرفة العدالة في الباطن ، فاقتصر فيها على معرفة ذلك في الظاهر ، وتفارق الشهادة فإنها تكون عند الحكام ، ولا يتعذر عليهم ذلك ، فاعتبر فيها العدالة في الظاهر والباطن " . الإمام سليم بن أيوب الرازي
قلت : ويشبه أن يكون العمل على هذا الرأي في كثير من كتب الحديث المشهورة في غير واحد من الرواة الذين تقادم العهد بهم ، وتعذرت الخبرة الباطنة بهم ، والله أعلم .
( الثالث ) : المجهول العين ، وقد يقبل رواية المجهول العدالة من لا يقبل رواية المجهول العين ، ومن روى عنه عدلان وعيناه فقد ارتفعت عنه هذه الجهالة .
ذكر في أجوبة مسائل سئل عنها أن أبو بكر الخطيب البغدادي هو كل من لم تعرفه العلماء ، ومن لم [ ص: 113 ] يعرف حديثه إلا من جهة راو واحد مثل المجهول عند أصحاب الحديث عمرو ذي مر ، وجبار الطائي ، وسعيد بن ذي حدان ، لم يرو عنهم غير ، ومثل أبي إسحاق السبيعي الهزهاز بن ميزن ، لا راوي عنه غير ، ومثل الشعبي جري بن كليب لم يرو عنه إلا قتادة .
قلت : قد روى عن الهزهاز أيضا . الثوري
قال الخطيب : " أن يروي عن الرجل اثنان من المشهورين بالعلم ، إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه " . وهذا مما قدمنا بيانه ، والله أعلم . وأقل ما ترتفع به الجهالة
قلت : قد خرج في صحيحه حديث جماعة ليس لهم غير راو واحد ، منهم البخاري مرداس الأسلمي لم يرو عنه غير ، وكذلك خرج قيس بن أبي حازم مسلم حديث قوم لا راوي لهم غير واحد منهم ربيعة بن كعب الأسلمي لم يرو عنه غير ، وذلك منهما مصير إلى أن الراوي قد يخرج عن كونه مجهولا [ ص: 114 ] مردودا برواية واحد عنه . والخلاف في ذلك متجه نحو اتجاه الخلاف المعروف في الاكتفاء بواحد في التعديل على ما قدمناه ، والله أعلم . أبي سلمة بن عبد الرحمن