[ ص: 498 ] باب النهي عن ونسخ ذلك قصة قتال المشركين في الأشهر الحرم لعبد الله بن جحش - تعقيب الحازمي على صحة الحديث
أخبرنا محمد بن عبد الخالق بن أبي نصر ، أخبرنا أحمد بن محمد بن بشر ، أخبرنا أحمد بن عبد الله ، أخبرنا حبيب بن الحسن ، حدثنا محمد بن يحيى بن سليمان ، حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، قال : عبد الله بن جحش في رجب مقفله من بدر الأولى ، وبعث معه ثمانية رهط من المهاجرين ليس فيهم أحد من الأنصار ، وكتب لهم كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ، ثم ينظر فيه فيمضي لما أمره به ، ولا يستكره من أصحابه أحدا ، فلما سار عبد الله يومين فتح الكتاب فنظر فيه ، فإذا فيه : إذا نظرت في كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا وتعلم لنا من أخبارهم ، فلما نظر عبد الله بن جحش في الكتاب ، قال : سمعا وطاعة . وذكر الحديث .
ثم قال : ومضى عبد الله بن جحش وبقية أصحابه ، حتى نزلوا بنخلة ، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما ، وتجارة من تجارة قريش فيها عمرو بن الحضرمي ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأخوه نوفل بن عبد الله [ ص: 499 ] والحكم بن كيسان ، مولى هشام بن المغيرة ، فلما رأوهم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم ، فأشرف لهم وكان قد حلق رأسه ، فلما رأوه أمنوا وقالوا : القوم عمار ، لا بأس عليكم منهم ، وتشاور القوم فيهم ، وذلك آخر يوم من رجب ، فقال القوم : والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن عكاشة بن محصن ، الحرم فليمتنعن به منكم ، ولئن قتلتموهم لتقتلوهم في الشهر الحرام ، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعوا عليهم ، وأجمعوا على قتل من قدروا عليه ، وأخذ ما معهم ، فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله ، واستأسر عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، وأفلت من القوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم ، وأقبل عبد الله بن جحش وأصحابه بالعير والأسيرين حتى قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة . بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
وذكر عن ابن إسحاق آل عبد الله بن جحش أن عبد الله قال لأصحابه : إن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيم غنمتم الخمس ، وذلك قبل أن يفرض الله الخمس من المغانم ، فعزل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس العير ، وقسم سائرها بين أصحابه ، فلما قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قال : ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام ، فوقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئا ، فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسقط في أيدي القوم ؛ فظنوا أنهم قد هلكوا ، وعنفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا ، وقالت قريش : قد استحل محمد وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدم وأخذوا فيه المال ، وأسروا فيه الرجال . فقال من يرد عليهم من المسلمين ممن كانوا بمكة : إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان ، قالت يهود - تفائل بذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عمرو عمرت الحرب ، الحضرمي حضرت الحرب ، واقد وقدت الحرب ، فجعل الله ذلك عليهم وبهم ، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله : ( قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم والفتنة أكبر من القتل ) .
[ ص: 500 ] أي : قد كانوا يفتنون المسلم في دينه حتى يردوه إلى الكفر بعد إيمانه ، وذلك أكبر عند الله من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ؛ أي : ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه ، غير تائبين ولا نازعين ، فلما نزل القرآن بهذا الأمر ، وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الشفق ، قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العير والأسيرين ، وبعثت إليه قريش فداء عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا نفديكموهما حتى يقدم صاحبانا : سعد بن أبي وقاص ، فإنا نخشاكم عليهما ، فإن قتلتموهما نقتل صاحبيكم ، فقدم وعتبة بن غزوان ، سعد وعتبة ، ففداهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم فأما الحكم بن كيسان فأسلم وحسن إسلامه ، وأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتل يوم بئر معونة شهيدا ، وأماعثمان بن عبد الله فلحق بمكة ، فمات بها كافرا .
هذا الحديث وإن كان رواه منقطعا ، فإن له أصلا في المسند ، وهو مشهور في المغازي متداول بين أهل السيرة ، ورواه ابن إسحاق عن الزهري عروة نحوه ، وهو من جيد مراسيل عروة ، غير أن حديث أتم ، وإن صح الحديث فهو من قبيل نسخ السنة بالكتاب ، والله أعلم . ابن إسحاق