249 - وإن تجد متنا ضعيف السند فقل : ضعيف أي بهذا فاقصد 250 - ولا تضعف مطلقا بناء
على الطريق إذ لعل جاء 251 - بسند مجود بل يقف
ذاك على حكم إمام يصف 252 - بيان ضعفه فإن أطلقه
فالشيخ فيما بعده حققه 253 - وإن ترد نقلا لواه أو لما
يشك فيه لا بإسنادهما 254 - فأت بتمريض كيروى
واجزم بنقل ما صح كقال فاعلم 255 - وسهلوا في غير موضوع رووا
من غير تبيين لضعف ورأوا 256 - بيانه في الحكم والعقائد
عن ابن مهدي وغير واحد
تنبيهات : ثلاثة ، إرداف أنواع الضعيف بها مناسب ، كما أردف الصحيح والحسن بما يناسبهما ، لكن كان جمع أوليهما بمكان واحد ; لكونهما كالمسألة الواحدة أنسب .
أحدها : ( وإن فقل ) فيه : هو ( ضعيف أي : بهذا ) السند بخصوصه ( فاقصد ) أي : انو ذاك ، فإن صرحت به فأولى ( ولا تضعف ) ذلك المتن ( مطلقا بناء ) بالمد ( على ) ضعف ذاك ( الطريق إذ لعلـ ) ـه ( جاء ) بالمد أيضا ( بسند ) آخر ( مجود ) يثبت المتن بمثله أو بمجموعهما . تجد متنا ) أي : حديثا ( ضعيف السند
( بل [ ص: 348 ] يقف ) جواز ( ذاك ) أي : الإطلاق ( على حكم إمام ) من أئمة الحديث ، صحيح الاطلاع ، معتبر الاستقراء والتتبع ( يصف بيان ) وجه ( ضعفه ) أي : الحديث بأنه ليس له إسناد يثبت هذا المتن بمثله ، أو بأنه ضعيف بشذوذ أو نكارة أو نحوهما .
( فإن أطلقه ) أي : أطلق ذاك الإمام الضعيف ( فالشيخ ) ( فيما بعده ) بيسير ، ذيل مسألة كون الجرح لا يقبل إلا مفسرا قد ( حققه ) . ابن الصلاح
ثم إن ما ذهب إليه من المنع إما أن يكون بالنسبة لمن لم يفحص عن الطرق ويبحث عنها ، أو مطلقا كما اختاره شيخنا ، حيث قال : والظاهر أنه مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به ، والحق خلافه كما تقرر في موضعه ، فإذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد ، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه ، فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة - ساغ له الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه ، وكذا إذا وجد جزم إمام من أئمة الحديث بأن راويه الفلاني تفرد به ، وعرف المتأخر أن ذاك المتفرد قد ضعف بقادح أيضا .
ووراء هذا أنه على كل حال يكفي في المناظرة تضعيف الطريق التي أبداها المناظر وينقطع ; إذ الأصل عدم ما سواها حتى يثبت بطريق أخرى ، قاله ابن كثير .
ثانيها : ( يعني ضعيفا ، قل الضعف أو كثر ، ما لم يبلغ الوضع ( أو لما يشك ) من أهل الحديث ( فيه ) أصحيح أو ضعيف ، إما بالنظر إلى اختلافهم في راويه أو غير ذلك ، ( لا بـ ) إبراز ( إسنادهما ) أي : المشكوك فيه والمجزوم به ، بل بمجرد إضافتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى الصحابي ، أو من دونه ; [ ص: 349 ] بحيث يشمل المعلق . وإن ترد نقلا لـ ) حديث ( واه )
( فأت بتمريض كيروى ) ويذكر وبلغنا وروى بعضهم ، ونحوها من صيغ التمريض التي اكتفي بها عن التصريح بالضعف ، ولا تجزم بنقله خوفا من الوعيد ، واحتياطا ، فإن سقت إسنادهما فيؤخذ حكمه مما بعده ( واجزم ) فيما تورده لا بسند ( بنقل ما صح ) بالصيغ المعروفة بالجزم .
( كقال ) ونحوها ( فاعلم ) ذلك ولا تنقله بصيغة التمريض ، وإن فعله بعض الفقهاء ، واستحضر ما أسلفته لك من كلام النووي وغيره مما يتعلق بهذه المسألة عند التعليق .
ثالثها : ( ) حيث اقتصروا على سياق إسناده ( من غير تبيين لضعف ) ، لكن فيما يكون في الترغيب والترهيب من المواعظ ، والقصص ، وفضائل الأعمال ، ونحو ذلك خاصة ( ورأوا بيانه ) وعدم التساهل في ذلك ، ولو ساقوا إسناده ( في ) أحاديث ( الحكم ) الشرعي من الحلال والحرام وغيرهما . وسهلوا في غير موضوع رووا
( و ) كذا في العقائد كصفات الله تعالى ، وما يجوز له ، ويستحيل عليه ، ونحو ذلك ، ولذا كان وغيره من أهل الديانة إذا روى حديثا ضعيفا قال : حدثنا فلان مع البراءة من عهدته ، وربما قال هو ابن خزيمة والبيهقي : إن صح الخبر .
وهذا التساهل والتشديد منقول ( عن ) عبد الرحمن ( وغير واحد ) من الأئمة ; ابن مهدي ، كأحمد بن حنبل ، وابن معين ، والسفيانين ; بحيث عقد وابن المبارك في مقدمة ( كامله ) ، أبو أحمد بن عدي والخطيب في كفايته لذلك بابا .
وقال : " أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به " . ابن عبد البر
وقال الحاكم : سمعت يقول : " الخبر إذا ورد لم يحرم حلالا ، ولم يحل حراما ، ولم يوجب حكما ، وكان في ترغيب أو ترهيب أغمض عنه ، وتسهل [ ص: 350 ] في رواته . أبا زكريا العنبري
ولفظ فيما أخرجه ابن مهدي البيهقي في المدخل : ( إذا روينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحلال والحرام والأحكام ، شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال ، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب ، سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال ) .
ولفظ أحمد في رواية الميموني عنه : ( الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم ) .
وقال في رواية عنه : ( عباس الدوري رجل تكتب عنه هذه الأحاديث - يعني : المغازي - ونحوها ، وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا ، وقبض أصابع يديه الأربع ) . ابن إسحاق
لكنه احتج رحمه الله بالضعيف حيث لم يكن في الباب غيره ، وتبعه أبو داود وقدماه على الرأي والقياس ، ويقال عن أبي حنيفة أيضا ذلك ، وأن يحتج بالمرسل إذا لم يجد غيره كما سلف كل ذلك في أواخر الحسن . الشافعي
وكذا يعمل به على الصحيح ، حتى إنه ينزل منزلة المتواتر في أنه ينسخ المقطوع به ; ولهذا قال إذا تلقت الأمة الضعيف بالقبول - رحمه الله - في حديث : الشافعي : إنه لا يثبته أهل الحديث ، ولكن العامة تلقته بالقبول ، وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية له . لا وصية لوارث
[ ص: 351 ] أو كان في موضع احتياط كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع أو الأنكحة ، فإن المستحب - كما قال النووي - أن يتنزه عنه ، ولكن لا يجب ، ومنع العمل بالضعيف مطلقا . ابن العربي المالكي
ولكن قد حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث وغيرهم على العمل به في الفضائل ونحوها خاصة .
فهذه ثلاثة مذاهب أفاد شيخنا أن محل الأخير منها حيث لم يكن الضعف شديدا ، وكان مندرجا تحت أصل عام ; حيث لم يقم على المنع منه دليل أخص من ذلك العموم ، ولم يعتقد عند العمل به ثبوته ، كما بسطتها في موضع آخر .