الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=hadith&LINKID=950749عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : قلت : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك ، قال : قل آمنت بالله ، ثم استقم رواه مسلم .
هذا الحديث خرجه مسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن سفيان وسفيان : هو ابن عبد الله الثقفي الطائفي له صحبة ، وكان عاملا nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب على الطائف .
وقد روي عن سفيان بن عبد الله من وجوه أخر بزيادات ، فخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز ، وعند الترمذي : من رواية عبد الرحمن بن ماعز عن سفيان بن عبد الله قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950750قلت : يا رسول الله ، حدثني بأمر أعتصم به ، قال : قل : ربي الله ، ثم استقم قلت : يا رسول الله ، ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه ، قال هذا ، وقال الترمذي : حسن صحيح .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من رواية عبد الله بن سفيان الثقفي ، عن أبيه nindex.php?page=hadith&LINKID=950751أن رجلا قال : يا رسول الله ، مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدا بعدك [ ص: 507 ] قال : قل : آمنت بالله ، ثم استقم قلت : فما أتقي ؟ فأومأ إلى لسانه .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في " تفسيره " من رواية سهيل بن أبي حزم : حدثنا ثابت ، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=13إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فقال : " قد قالها الناس ، ثم كفروا ، فمن مات عليها فهو من أهل الاستقامة " . وخرجه الترمذي ، ولفظه : فقال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950753قد قالها الناس ، ثم كفر أكثرهم ، فمن مات عليها ، فهو ممن استقام " ، وقال : حسن غريب ، وسهيل تكلم فيه من قبل حفظه . [ ص: 508 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق في تفسير ثم استقاموا قال : لم يشركوا بالله شيئا . وعنه قال : لم يلتفتوا إلى إله غيره . وعنه قال : ثم استقاموا على أن الله ربهم .
وعن أبي العالية ، قال : ثم أخلصوا له الدين والعمل .
وعن قتادة قال : استقاموا على طاعة الله ، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية [ ص: 509 ] قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .
ولعل من قال : إن المراد الاستقامة على التوحيد إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرم صاحبه على النار ، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله ، فإن الإله هو المعبود الذي يطاع ، فلا يعصى خشية وإجلالا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلا ودعاء ، والمعاصي كلها قادحة في هذا التوحيد ، لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان ، قال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه [ الجاثية : 23 ] قال الحسن وغيره : هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه ، فهذا ينافي الاستقامة على التوحيد .
وأما على رواية من روى : " قل : آمنت بالله " فالمعنى أظهر ، لأن nindex.php?page=treesubj&link=28647الإيمان يدخل فيه الأعمال الصالحة عند السلف ومن تابعهم من أهل الحديث ، وقال الله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير [ هود : 112 ] ، فأمره أن يستقيم هو ومن تاب معه ، وأن لا يجاوزوا ما أمروا به ، وهو الطغيان ، وأخبر أنه بصير بأعمالكم ، مطلع عليها ، قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=15فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم [ الشورى : 15 ] قال قتادة : أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يستقيم على أمر الله وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري على القرآن ، وعن الحسن ، قال : لما نزلت هذه الآية شمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رئي ضاحكا خرجه nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم وذكر القشيري وغيره عن بعضهم : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال له : يا رسول الله ، قلت : " شيبتني هود وأخواتها " فما شيبك [ ص: 510 ] منها ؟ قال : " قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=112فاستقم كما أمرت .
nindex.php?page=treesubj&link=19894والاستقامة : هي سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القيم من غير تعريج عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها كذلك ، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها .
وفي قوله عز وجل : nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=6فاستقيموا إليه واستغفروه إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها ، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة ، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ " nindex.php?page=hadith&LINKID=950606اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها " . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لن يطيقوا [ ص: 511 ] الاستقامة حق الاستقامة ، كما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=99ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950345استقيموا ولن تحصوا ، واعلموا أن nindex.php?page=treesubj&link=24589خير أعمالكم الصلاة ، nindex.php?page=treesubj&link=24774ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12251للإمام أحمد : nindex.php?page=hadith&LINKID=950754سددوا وقاربوا ، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن .
وفي " الصحيحين " عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950755سددوا وقاربوا .
فالسداد : هو nindex.php?page=treesubj&link=19894حقيقة الاستقامة ، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد ، كالذي يرمي إلى غرض ، فيصيبه ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يسأل الله عز وجل السداد والهدى ، وقال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=950756اذكر بالسداد تسديدك السهم ، وبالهدى هدايتك الطريق .
والمقاربة : أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه ، ولكن بشرط أن يكون مصمما على قصد السداد وإصابة الغرض ، فتكون مقاربته عن غير عمد ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الحكم بن حزن الكلفي : nindex.php?page=hadith&LINKID=950757أيها الناس ، إنكم لن تعملوا - أو لن تطيقوا - كل ما أمرتكم ، ولكن سددوا وأبشروا والمعنى : اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة ، فإنهم لو سددوا في العمل كله ، لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كله .
nindex.php?page=treesubj&link=19894فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد ، كما فسر nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق وغيره nindex.php?page=treesubj&link=29017قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=13إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا [ الأحقاف : 13 ] بأنهم لم [ ص: 512 ] يلتفتوا إلى غيره ، فمتى استقام القلب على معرفة الله ، وعلى خشيته ، وإجلاله ، ومهابته ، ومحبته ، وإرادته ، ورجائه ، ودعائه ، والتوكل عليه ، والإعراض عما سواه ، استقامت الجوارح كلها على طاعته ، فإن القلب هو ملك الأعضاء ، وهي جنوده ، فإذا استقام الملك ، استقامت جنوده ورعاياه ، وكذلك فسر قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فأقم وجهك للدين حنيفا [ الروم : 30 ] بإخلاص القصد لله وإرادته وحده لا شريك له .
وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان ، فإنه ترجمان القلب والمعبر عنه ، ولهذا لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاستقامة ، وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه ، وفي " مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=950287لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه وفي " الترمذي " عن أبي سعيد مرفوعا وموقوفا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=950758إذا أصبح ابن آدم ، فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، فتقول : اتق الله فينا ، فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا " .