الفصل الثاني
في أنواعه
وهي إما
nindex.php?page=treesubj&link=28914أن يقدم والمعنى عليه ، أو يقدم وهو في المعنى مؤخر ، أو بالعكس .
[ ص: 309 ] النوع الأول
ما قدم والمعنى عليه
ومقتضياته كثيرة ، قد يسر الله منها خمسا وعشرين ، ولله در
ابن عبدون في قوله :
سقاك الحيا من مغان سفاح فكم لي بها من معان فصاح
أحدها
السبق
وهو أقسام : منها السبق بالزمان والإيجاد ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي ( آل عمران : 68 ) قال
ابن عطية : المراد الذين اتبعوه في زمن الفترة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=75الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ( الحج : 75 ) فإن مذهب أهل السنة تفضيل البشر ، وإنما قدم الملك لسبقه في الوجود .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=59ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ( الأحزاب : 59 ) فإن الأزواج أسبق بالزمان ؛ لأن البنات أفضل منهن ؛ لكونهن بضعة منه ، صلى الله عليه وسلم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ( الفرقان : 74 ) .
[ ص: 310 ] واعلم أنه ينضم إليه مع ذلك التشريف ؛ كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران ( آل عمران : 33 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ( الأحزاب : 7 ) .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صحف إبراهيم وموسى ( الأعلى : 19 ) .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أم لم ينبأ بما في صحف موسى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وإبراهيم الذي وفى ( النجم : 36 - 37 ) فإنما قدم ذكر
موسى لوجهين :
أحدهما : أنه في سياق الاحتجاج عليهم بالترك ، وكانت صحف
موسى منتشرة أكثر انتشارا من صحف
إبراهيم .
وثانيهما : مراعاة رءوس الآي .
وقد ينضم إليه التحقير كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين ( الفاتحة : 7 ) تقدم
اليهود ؛ لأنهم كانوا أسبق من
النصارى ، ولأنهم كانوا أقرب إلى المؤمنين بالمجاورة .
وقد لا يلحظ هذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم ( العنكبوت : 38 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وأنه أهلك عادا الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=51وثمود فما أبقى ( النجم : 50 - 51 ) .
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28914التقديم بالإيجاد تقديم السنة على النوم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لا تأخذه سنة ولا نوم ( البقرة : 255 ) لأن العادة في البشر أن تأخذ العبد السنة قبل النوم ، فجاءت العبارة على حسب هذه العادة .
ذكره
السهيلي ، وذكر معه وجها آخر ، وهو أنها وردت في معرض التمدح والثناء ، وافتقاد السنة أبلغ في التنزيه ، فبدئ بالأفضل ؛ لأنه إذا استحالت عليه السنة فأحرى أن يستحيل عليه النوم .
[ ص: 311 ] ومنه تقديم الظلمة على النور في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وجعل الظلمات والنور ( الأنعام : 1 ) فإن الظلمات سابقة على النور في الإحساس ، وكذلك الظلمة المعنوية سابقة على النور المعنوي ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ( النحل : 78 ) فانتفاء العلم ظلمة ، وهو متقدم بالزمان على نور الإدراكات .
ومنه تقديم الليل على النهار
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين ( الإسراء : 12 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=18سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ( سبأ : 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33بل مكر الليل والنهار ( سبأ : 33 )
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17حين تمسون وحين تصبحون ( الروم : 17 ) ولذلك اختارت العرب التاريخ بالليالي دون الأيام ؛ وإن كانت الليالي مؤنثة والأيام مذكرة وقاعدتهم تغليب المذكر إلا في التاريخ .
فإن قلت فما تصنع بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار ( يس : 40 ) .
قلت : استشكل الشيخ
أبو محمد بن عبد السلام في " قواعده " ذلك بالإجماع على سبق الليلة على اليوم ، وأجاب بأن المعنى : تدرك القمر في سلطانه وهو الليل ، أي : لا تجيء الشمس في أثناء الليل ، فقوله بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ( يس : 40 ) أي : لا يأتي الليل في بعض سلطان الشمس وهو النهار ، وبين الجملتين مقابلة .
فإن قيل : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ( الحديد : 6 ) مشكل على هذا ؛ لأن الإيلاج إدخال الشيء في الشيء ، وهذا البحث ينافيه .
قلت : المشهور في معنى الآية أن الله يزيد في زمن الشتاء مقدارا من النهار ، ومن النهار في الصيف مقدارا من الليل ، وتقدير الكلام : يولج بعض مقدار الليل في النهار ، وبعض مقدار النهار في الليل ، وعلى غير المشهور يجعل الليل في المكان الذي كان فيه
[ ص: 312 ] النهار ، ويجعل النهار في المكان الذي كان فيه الليل ، والتقدير : يولج الليل في مكان النهار ويولج النهار في مكان الليل .
ومنه
nindex.php?page=treesubj&link=28914تقديم المكان على الزمان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ( الأنعام : 1 ) أي : الليل والنهار ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ( الأنبياء : 32 - 33 ) .
وهذه مسألة مهمة قل من تعرض لها ، أعني سبق المكان على الزمان ، وقد صرح بها الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16935أبو جعفر الطبري في أول تاريخه ، واحتج على ذلك بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018694إن الله خلق التربة يوم السبت ، وخلق الشمس والقمر ، وكان ذلك كله ولا ليل ولا نهار ، إذ كانا إنما هما أسماء لساعات معلومة من قطع الشمس والقمر درج الفلك ، وإذا كان ذلك صحيحا وأنه لا شمس ولا قمر ، كان معلوما أنه لا ليل ولا نهار . قال : وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - يعني في صحيح
مسلم - صريح فيه ؛ فإن فيه :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018695وخلق الله النور يوم الأربعاء قال : ويعني به الشمس ، إن شاء الله .
والحاصل أن تأخر خلق الأيام عن بعض الأشياء المذكورة في الخبر لازم .
فإن قلت : الحديث كالمصرح بخلافه ، فإنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018696خلق الله التربة يوم السبت ، حين خلق البرية ، وهي أول المخلوقات المذكورة ، فلا يمكن أن يكون خلق الأيام كلها متأخرا عن ذلك .
قلت : قد نبه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري على جواب ذلك بما حاصله أن الله تعالى سمى أسماء الأيام قبل خلق التربة ، وخلق الأيام كلها ثم قدر كل يوم مقدارا ، فخلق التربة في مقدار يوم
[ ص: 313 ] السبت قبل خلقه يوم السبت ، وكذا الباقي .
وهذا وإن كان خلاف الظاهر لكن أوجبه ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري ؛ من أنه يتعين تأخير خلق الأيام لما ذكرناه من الدليل المستفاد من الخبرين .
والحاصل أن الزمان قسمان : تحقيقي وتقديري ؛ والمذكور في الحديث التقديري .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رب المشرقين ورب المغربين ( الرحمن : 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137مشارق الأرض ومغاربها ( الأعراف : 137 ) ولذلك لما استغنى عن أحدهما ذكر المشرق فقط فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=5ورب المشارق ( الصافات : 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=6إنا زينا السماء الدنيا ( الصافات : 6 ) .
ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ( الملك : 2 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وأنه هو أمات وأحيا ( النجم : 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وكنتم أمواتا فأحياكم ( البقرة : 28 ) .
ويمكن فيه وجوه أخر :
منها أن فيه قهرا للخلق ، والمقام يقتضيه .
ومنها أن حياة الإنسان كلا حياة ، ومآله إلى الموت ، ولا حياة إلا بعد الموت .
ومنها أن الموت تقدم في الوجود ؛ إذ الإنسان قبل نفخ الروح فيه كان ميتا لعدم الروح ، وهذا إن أريد بالموت عدم الوجود ، بدليل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وكنتم أمواتا فأحياكم ( البقرة : 28 ) وإن أريد به بعد الوجود ، فالناس متنازعون في الموت : هل هو أمر وجودي كالحياة أو لا ؟
وقيل بالوقف ، فقالت الفلاسفة : الموت عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا .
والجمهور على أنه أمر وجودي يضاد الحياة ، محتجين بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الذي خلق الموت والحياة ( الملك : 2 )
[ ص: 314 ] والحديث في الإتيان بالموت في صورة كبش وذبحه .
وأجيب عن الآية بأن الخلق بمعنى التقدير ، ولا يجب في المقدر أن يكون وجوديا ، وعن الثاني بأن ذلك على طريق التمثيل ؛ لبيان انقطاع الموت وثبوت الخلود .
فإن قلنا : عدمي ، فالتقابل بينه وبين الحياة تقابل العدم والملكة ، وعلى الصحيح تقابل التضاد ، وعلى القول بأنه وجودي ، يجب أن يقال : تقديم الموت الذي هو عدم الوجود لكونه سابقا أو معدوم الحياة الذي هو مفارقة الروح البدني يجوز أن يكون لكونه الغاية التي يساق إليها الإنسان في دار الدنيا ، فهي العلة الغائبة بعدم تحقيقها لتحققه ؛ فخص العلة العامة كما وقع تأكيده في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=15ثم إنكم بعد ذلك لميتون ( المؤمنون : 15 ) أو تزهيدا في الدار الفانية ، وترغيبا فيما بعد الموت .
فإن قيل فما وجه تقدم " الحياة " في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قال فيها تحيون وفيها تموتون ( الأعراف : 25 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162ومحياي ومماتي لله رب العالمين ( الأنعام : 162 ) .
قلنا : إن كان الخطاب
لآدم وحواء فلأن حياتهما في الدنيا سبقت الموت ، وإن كان للخلق بالخطاب لمن هو حي يعقبه الموت ، فما التقديم بالترتيب ، وكذا الآية بعده .
[ ص: 315 ] فإن قيل : فما وجه تقديم الموت على الحياة في الحكاية عن منكر البعث في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا ( الجاثية : 24 ) فإن التقدير نحيا ونموت . قلت : لأجل مناسبة رءوس الآي .
فإن قلت : فما
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28974وجه تقدم التوفي على الرفع في قوله : إني متوفيك ورافعك إلي ( آل عمران : 60 ) مع أن الرفع سابق .
قيل : فيه جوابان :
أحدهما : المراد التوفي في النوم ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60يتوفاكم بالليل ( الأنعام : 60 ) .
وثانيهما : أن التاء في " متوفيك " زائدة ؛ أي : موفيك عملك .
ومنها : سبق إنزال ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3وأنزل التوراة والإنجيل nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان ( آل عمران : 3 - 4 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ( الأعراف : 157 ) .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ( آل عمران : 199 ) فإنما قدم القرآن منبها له على فضيلة المنزل إليهم .
ومنها سبق وجوب ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77اركعوا واسجدوا ( الحج : 77 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29تراهم ركعا سجدا ( الفتح : 29 ) .
فإن قيل : فقد قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43واسجدي واركعي مع الراكعين ( آل عمران : 43 ) .
قيل : يحتمل أنه كان في شريعتهم السجود قبل الركوع ، ويحتمل أن يراد بالركوع ركوع الركعة الثانية .
[ ص: 316 ] وقيل : المراد بـ " اركعي " اشكري .
وقيل : أراد بـ " اسجدي " صلي وحدك ، وبـ " اركعي " صلي في جماعة ، ولذلك قال : مع الراكعين ( آل عمران : 43 ) .
ومنها سبق تنزيه ؛ كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ( البقرة : 285 ) فبدأ بالرسول قبل المؤمنين ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كل آمن بالله وملائكته ( البقرة : 285 ) فبدأ بالإيمان بالله ؛ لأنه قد يحصل بدليل العقل ، والعقل سابق في الوجود على الشرع ، ثم قال : " وملائكته " ؛ مراعاة لإيمان الرسول ، فإنه يتعلق بالملك الذي هو
جبريل أولا ، ثم بالكتاب الذي نزل به
جبريل ، ثم بمعرفة نفسه أنه رسول . وإنما عرف نبوة نفسه بعد معرفته
بجبريل عليه السلام وإيمانه به ، فترتب الذكر المنزل عليه بحسب ذلك ، فظهرت الحكمة والإعجاز ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ( البقرة : 285 ) لأن الملك هو النازل بالكتاب ، وإن كان الكتاب أقدم من الملك ، ولكن رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - للملك كانت قبل سماعه الكتاب ، وأما إيماننا نحن بالعقل ، آمنا بالله ؛ أي : بوجوده ، ولكن الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - عرفنا اسمه ووجوب النظر المؤدي إلى معرفته ، فآمنا بالرسول ، ثم بالكتاب المنزل عليه ، وبالملك النازل به ، فلو ترتب اللفظ على حسب إيماننا لبدأ بالرسول قبل الكتاب ، ولكن إنما ترتب على حسب إيمان الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - الذي هو إمام المؤمنين . ذكره
السهيلي في " أماليه " .
وقال غيره : في هذا الترتيب سر لطيف ؛ وذلك لأن النور والكمال والرحمة والخير كله مضاف إلى الله تعالى ، والوسائط في ذلك الملائكة ، والمقابل لتلك الرحمة هم الأنبياء والرسل ، فلا بد أولا : من أصل ، وثانيا : من وسائط ، وثالثا : من حصول تلك الرحمة ، ورابعا : من وصولها إلى المقابل لها ، والأصل المقتضي للخيرات والرحمة هو الله ، ومن أعظم رحمة رحم بها عباده إنزال كتبه إليهم ، والموصل لها هم الملائكة ، والمقابل لها المنزلة عليهم هم الأنبياء ، فجاء الترتيب على ذلك بحسب الوقائع .
الْفَصْلُ الثَّانِي
فِي أَنْوَاعِهِ
وَهِيَ إِمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28914أَنْ يُقَدَّمَ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ ، أَوْ يُقَدَّمَ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى مُؤَخَّرٌ ، أَوْ بِالْعَكْسِ .
[ ص: 309 ] النَّوْعُ الْأَوَّلُ
مَا قُدِّمَ وَالْمَعْنَى عَلَيْهِ
وَمُقْتَضَيَاتُهُ كَثِيرَةٌ ، قَدْ يَسَّرَ اللَّهُ مِنْهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ ، وَلِلَّهِ دَرُّ
ابْنِ عَبْدُونٍ فِي قَوْلِهِ :
سَقَاكَ الْحَيَا مِنْ مَغَانٍ سِفَاحِ فَكَمْ لِي بِهَا مِنْ مَعَانٍ فِصَاحِ
أَحَدُهَا
السَّبْقُ
وَهُوَ أَقْسَامٌ : مِنْهَا السَّبْقُ بِالزَّمَانِ وَالْإِيجَادِ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ ( آلِ عِمْرَانَ : 68 ) قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : الْمُرَادُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي زَمَنِ الْفَتْرَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=75اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ( الْحَجِّ : 75 ) فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ تَفْضِيلُ الْبَشَرِ ، وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمَلَكُ لِسَبْقِهِ فِي الْوُجُودِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=59يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ( الْأَحْزَابِ : 59 ) فَإِنَّ الْأَزْوَاجَ أَسْبَقُ بِالزَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْبَنَاتِ أَفْضَلُ مِنْهُنَّ ؛ لِكَوْنِهِنَّ بَضْعَةً مِنْهُ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=74هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ( الْفُرْقَانِ : 74 ) .
[ ص: 310 ] وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْضَمُّ إِلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ التَّشْرِيفُ ؛ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ( آلِ عِمْرَانَ : 33 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ( الْأَحْزَابِ : 7 ) .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=19صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ( الْأَعْلَى : 19 ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=36أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=37وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ( النَّجْمِ : 36 - 37 ) فَإِنَّمَا قَدَّمَ ذِكْرَ
مُوسَى لِوَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ فِي سِيَاقِ الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ بِالتَّرْكِ ، وَكَانَتْ صُحُفُ
مُوسَى مُنْتَشِرَةً أَكْثَرَ انْتِشَارًا مِنْ صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَثَانِيهِمَا : مُرَاعَاةُ رُءُوسِ الْآيِ .
وَقَدْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِ التَّحْقِيرُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ( الْفَاتِحَةِ : 7 ) تَقَدَّمَ
الْيَهُودُ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَسْبَقَ مِنَ
النَّصَارَى ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا أَقْرَبَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُجَاوَرَةِ .
وَقَدْ لَا يُلْحَظُ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=38وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ ( الْعَنْكَبُوتِ : 38 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=50وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=51وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى ( النَّجْمِ : 50 - 51 ) .
وَمِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=28914التَّقْدِيمِ بِالْإِيجَادِ تَقْدِيمُ السِّنَةِ عَلَى النَّوْمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ( الْبَقَرَةِ : 255 ) لِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْبَشَرِ أَنْ تَأْخُذَ الْعَبْدَ السِّنَةُ قَبْلَ النَّوْمِ ، فَجَاءَتِ الْعِبَارَةُ عَلَى حَسَبِ هَذِهِ الْعَادَةِ .
ذَكَرَهُ
السُّهَيْلِيُّ ، وَذَكَرَ مَعَهُ وَجْهًا آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي مَعْرِضِ التَّمَدُّحِ وَالثَّنَاءِ ، وَافْتِقَادُ السِّنَةِ أَبْلَغُ فِي التَّنْزِيهِ ، فَبُدِئَ بِالْأَفْضَلِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَحَالَتْ عَلَيْهِ السِّنَةُ فَأَحْرَى أَنْ يَسْتَحِيلَ عَلَيْهِ النَّوْمُ .
[ ص: 311 ] وَمِنْهُ تَقْدِيمُ الظُّلْمَةِ عَلَى النُّورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ( الْأَنْعَامِ : 1 ) فَإِنَّ الظُّلُمَاتِ سَابِقَةٌ عَلَى النُّورِ فِي الْإِحْسَاسِ ، وَكَذَلِكَ الظُّلْمَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ سَابِقَةٌ عَلَى النُّورِ الْمَعْنَوِيِّ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=78وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ( النَّحْلِ : 78 ) فَانْتِفَاءُ الْعِلْمِ ظُلْمَةٌ ، وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ بِالزَّمَانِ عَلَى نُورِ الْإِدْرَاكَاتِ .
وَمِنْهُ تَقْدِيمُ اللَّيْلِ عَلَى النَّهَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ( الْإِسْرَاءِ : 12 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=18سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ ( سَبَأٍ : 18 )
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=33بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( سَبَأٍ : 33 )
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=17حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ( الرُّومِ : 17 ) وَلِذَلِكَ اخْتَارَتِ الْعَرَبُ التَّارِيخَ بِاللَّيَالِي دُونَ الْأَيَّامِ ؛ وَإِنْ كَانَتِ اللَّيَالِي مُؤَنَّثَةً وَالْأَيَّامُ مُذَكَّرَةً وَقَاعِدَتُهُمْ تَغْلِيبُ الْمُذَكَّرِ إِلَّا فِي التَّارِيخِ .
فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ( يس : 40 ) .
قُلْتُ : اسْتَشْكَلَ الشَّيْخُ
أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي " قَوَاعِدِهِ " ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى سَبْقِ اللَّيْلَةِ عَلَى الْيَوْمِ ، وَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَعْنَى : تُدْرِكُ الْقَمَرَ فِي سُلْطَانِهِ وَهُوَ اللَّيْلُ ، أَيْ : لَا تَجِيءُ الشَّمْسُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ ، فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=40وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( يس : 40 ) أَيْ : لَا يَأْتِي اللَّيْلُ فِي بَعْضِ سُلْطَانِ الشَّمْسِ وَهُوَ النَّهَارُ ، وَبَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ مُقَابَلَةٌ .
فَإِنْ قِيلَ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=6يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ( الْحَدِيدِ : 6 ) مُشْكِلٌ عَلَى هَذَا ؛ لِأَنَّ الْإِيلَاجَ إِدْخَالُ الشَّيْءِ فِي الشَّيْءِ ، وَهَذَا الْبَحْثُ يُنَافِيهِ .
قُلْتُ : الْمَشْهُورُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ يَزِيدُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ مِقْدَارًا مِنَ النَّهَارِ ، وَمِنَ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ مِقْدَارًا مِنَ اللَّيْلِ ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : يُولِجُ بَعْضَ مِقْدَارِ اللَّيْلِ فِي النَّهَارِ ، وَبَعْضَ مِقْدَارِ النَّهَارِ فِي اللَّيْلِ ، وَعَلَى غَيْرِ الْمَشْهُورِ يَجْعَلُ اللَّيْلَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ
[ ص: 312 ] النَّهَارُ ، وَيَجْعَلُ النَّهَارَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّيْلُ ، وَالتَّقْدِيرُ : يُولِجُ اللَّيْلَ فِي مَكَانِ النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي مَكَانِ اللَّيْلِ .
وَمِنْهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28914تَقْدِيمُ الْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ( الْأَنْعَامِ : 1 ) أَيِ : اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=32وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=33وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ( الْأَنْبِيَاءِ : 32 - 33 ) .
وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهَا ، أَعْنِي سَبْقَ الْمَكَانِ عَلَى الزَّمَانِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهَا الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ ، وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018694إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَلَا لَيْلَ وَلَا نَهَارَ ، إِذْ كَانَا إِنَّمَا هُمَا أَسْمَاءٌ لِسَاعَاتٍ مَعْلُومَةٍ مِنْ قَطْعِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ دَرَجَ الْفَلَكِ ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا وَأَنَّهُ لَا شَمْسَ وَلَا قَمَرَ ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّهُ لَا لَيْلَ وَلَا نَهَارَ . قَالَ : وَحَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ - يَعْنِي فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ - صَرِيحٌ فِيهِ ؛ فَإِنَّ فِيهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018695وَخَلَقَ اللَّهُ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ قَالَ : وَيَعْنِي بِهِ الشَّمْسَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَأَخُّرَ خَلْقِ الْأَيَّامِ عَنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ لَازِمٌ .
فَإِنْ قُلْتَ : الْحَدِيثُ كَالْمُصَرِّحِ بِخِلَافِهِ ، فَإِنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018696خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، حِينَ خَلَقَ الْبَرِّيَّةَ ، وَهِيَ أَوَّلُ الْمَخْلُوقَاتِ الْمَذْكُورَةِ ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَلْقُ الْأَيَّامِ كُلِّهَا مُتَأَخِّرًا عَنْ ذَلِكَ .
قُلْتُ : قَدْ نَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَلَى جَوَابِ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى أَسْمَاءَ الْأَيَّامِ قَبْلَ خَلْقِ التُّرْبَةِ ، وَخَلَقَ الْأَيَّامَ كُلَّهَا ثُمَّ قَدَّرَ كُلَّ يَوْمٍ مِقْدَارًا ، فَخَلَقَ التُّرْبَةَ فِي مِقْدَارِ يَوْمِ
[ ص: 313 ] السَّبْتِ قَبْلَ خَلْقِهِ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَكَذَا الْبَاقِي .
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ لَكِنْ أَوْجَبَهُ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ ؛ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ خَلْقِ الْأَيَّامِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْخَبَرَيْنِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّمَانَ قِسْمَانِ : تَحْقِيقِيٌّ وَتَقْدِيرِيٌّ ؛ وَالْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ التَّقْدِيرِيُّ .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=17رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ ( الرَّحْمَنِ : 17 )
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=137مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ( الْأَعْرَافِ : 137 ) وَلِذَلِكَ لَمَّا اسْتَغْنَى عَنْ أَحَدِهِمَا ذَكَرَ الْمَشْرِقَ فَقَطْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=5وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ( الصَّافَّاتِ : 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=6إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا ( الصَّافَّاتِ : 6 ) .
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ( الْمُلْكِ : 2 ) وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=44وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ( النَّجْمِ : 44 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 28 ) .
وَيُمْكِنُ فِيهِ وُجُوهٌ أُخَرُ :
مِنْهَا أَنَّ فِيهِ قَهْرًا لِلْخَلْقِ ، وَالْمَقَامُ يَقْتَضِيهِ .
وَمِنْهَا أَنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ كَلَا حَيَاةٍ ، وَمَآلُهُ إِلَى الْمَوْتِ ، وَلَا حَيَاةَ إِلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ .
وَمِنْهَا أَنَّ الْمَوْتَ تَقَدَّمَ فِي الْوُجُودِ ؛ إِذِ الْإِنْسَانُ قَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ كَانَ مَيِّتًا لِعَدَمِ الرُّوحِ ، وَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِالْمَوْتِ عَدَمُ الْوُجُودِ ، بِدَلِيلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=28وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ( الْبَقَرَةِ : 28 ) وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ بَعْدَ الْوُجُودِ ، فَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي الْمَوْتِ : هَلْ هُوَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ كَالْحَيَاةِ أَوْ لَا ؟
وَقِيلَ بِالْوَقْفِ ، فَقَالَتِ الْفَلَاسِفَةُ : الْمَوْتُ عَدَمُ الْحَيَاةِ عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَكُونَ حَيًّا .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ يُضَادُّ الْحَيَاةَ ، مُحْتَجِّينَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=2الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ ( الْمُلْكِ : 2 )
[ ص: 314 ] وَالْحَدِيثُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَوْتِ فِي صُورَةِ كَبْشٍ وَذَبْحِهِ .
وَأُجِيبَ عَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْخَلْقَ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ ، وَلَا يَجِبُ فِي الْمُقَدَّرِ أَنْ يَكُونَ وُجُودِيًّا ، وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِ ؛ لِبَيَانِ انْقِطَاعِ الْمَوْتِ وَثُبُوتِ الْخُلُودِ .
فَإِنْ قُلْنَا : عَدَمِيٌّ ، فَالتَّقَابُلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَاةِ تَقَابُلُ الْعَدَمِ وَالْمَلَكَةِ ، وَعَلَى الصَّحِيحِ تَقَابُلُ التَّضَادِّ ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ وُجُودِيٌّ ، يَجِبُ أَنْ يُقَالَ : تَقْدِيمُ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْوُجُودِ لِكَوْنِهِ سَابِقًا أَوْ مَعْدُومَ الْحَيَاةِ الَّذِي هُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْبَدَنِيَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ الْغَايَةَ الَّتِي يُسَاقُ إِلَيْهَا الْإِنْسَانُ فِي دَارِ الدُّنْيَا ، فَهِيَ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ بِعَدَمِ تَحْقِيقِهَا لِتَحَقُّقِهِ ؛ فَخَصَّ الْعِلَّةَ الْعَامَّةَ كَمَا وَقَعَ تَأْكِيدُهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=15ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ( الْمُؤْمِنُونَ : 15 ) أَوْ تَزْهِيدًا فِي الدَّارِ الْفَانِيَةِ ، وَتَرْغِيبًا فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ .
فَإِنْ قِيلَ فَمَا وَجْهُ تَقَدُّمِ " الْحَيَاةِ " فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=25قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ ( الْأَعْرَافِ : 25 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=162وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( الْأَنْعَامِ : 162 ) .
قُلْنَا : إِنْ كَانَ الْخِطَابُ
لِآدَمَ وَحَوَّاءَ فَلِأَنَّ حَيَاتَهُمَا فِي الدُّنْيَا سَبَقَتِ الْمَوْتَ ، وَإِنْ كَانَ لِلْخَلْقِ بِالْخِطَابِ لِمَنْ هُوَ حَيٌّ يَعْقُبُهُ الْمَوْتُ ، فَمَا التَّقْدِيمُ بِالتَّرْتِيبِ ، وَكَذَا الْآيَةُ بَعْدَهُ .
[ ص: 315 ] فَإِنْ قِيلَ : فَمَا وَجْهُ تَقْدِيمِ الْمَوْتِ عَلَى الْحَيَاةِ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ مُنْكِرِ الْبَعْثِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=24وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا ( الْجَاثِيَةِ : 24 ) فَإِنَّ التَّقْدِيرَ نَحْيَا وَنَمُوتُ . قُلْتُ : لِأَجْلِ مُنَاسَبَةِ رُءُوسِ الْآيِ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَمَا
nindex.php?page=treesubj&link=28914_28974وَجْهُ تَقَدُّمِ التَّوَفِّي عَلَى الرَّفْعِ فِي قَوْلِهِ : إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ( آلِ عِمْرَانَ : 60 ) مَعَ أَنَّ الرَّفْعَ سَابِقٌ .
قِيلَ : فِيهِ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْمُرَادُ التَّوَفِّي فِي النَّوْمِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=60يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ( الْأَنْعَامِ : 60 ) .
وَثَانِيهِمَا : أَنَّ التَّاءَ فِي " مُتَوَفِّيكَ " زَائِدَةٌ ؛ أَيْ : مُوَفِّيكَ عَمَلَكَ .
وَمِنْهَا : سَبْقُ إِنْزَالٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=3وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=4مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ( آلِ عِمْرَانَ : 3 - 4 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ( الْأَعْرَافِ : 157 ) .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ( آلِ عِمْرَانَ : 199 ) فَإِنَّمَا قَدَّمَ الْقُرْآنَ مُنَبِّهًا لَهُ عَلَى فَضِيلَةِ الْمُنَزَّلِ إِلَيْهِمْ .
وَمِنْهَا سَبْقُ وُجُوبٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=77ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ( الْحَجِّ : 77 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا ( الْفَتْحِ : 29 ) .
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=43وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ( آلِ عِمْرَانَ : 43 ) .
قِيلَ : يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي شَرِيعَتِهِمُ السُّجُودُ قَبْلَ الرُّكُوعِ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالرُّكُوعِ رُكُوعُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ .
[ ص: 316 ] وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِـ " ارْكَعِي " اشْكُرِي .
وَقِيلَ : أَرَادَ بِـ " اسْجُدِي " صَلِّي وَحْدَكِ ، وَبِـ " ارْكَعِي " صَلِّي فِي جَمَاعَةٍ ، وَلِذَلِكَ قَالَ : مَعَ الرَّاكِعِينَ ( آلِ عِمْرَانَ : 43 ) .
وَمِنْهَا سَبْقُ تَنْزِيهٍ ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ( الْبَقَرَةِ : 285 ) فَبَدَأَ بِالرَّسُولِ قَبْلَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ ( الْبَقَرَةِ : 285 ) فَبَدَأَ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ ، وَالْعَقْلُ سَابِقٌ فِي الْوُجُودِ عَلَى الشَّرْعِ ، ثُمَّ قَالَ : " وَمَلَائِكَتِهِ " ؛ مُرَاعَاةً لِإِيمَانِ الرَّسُولِ ، فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَلَكِ الَّذِي هُوَ
جِبْرِيلُ أَوَّلًا ، ثُمَّ بِالْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ
جِبْرِيلُ ، ثُمَّ بِمَعْرِفَةِ نَفْسِهِ أَنَّهُ رَسُولٌ . وَإِنَّمَا عَرَفَ نُبُوَّةَ نَفْسِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ
بِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِيمَانِهِ بِهِ ، فَتَرَتَّبَ الذِّكْرُ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ بِحَسَبِ ذَلِكَ ، فَظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ وَالْإِعْجَازُ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ( الْبَقَرَةِ : 285 ) لِأَنَّ الْمَلَكَ هُوَ النَّازِلُ بِالْكِتَابِ ، وَإِنْ كَانَ الْكِتَابُ أَقْدَمَ مِنَ الْمَلَكِ ، وَلَكِنَّ رُؤْيَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَلَكِ كَانَتْ قَبْلَ سَمَاعِهِ الْكِتَابَ ، وَأَمَّا إِيمَانُنَا نَحْنُ بِالْعَقْلِ ، آمَنَّا بِاللَّهِ ؛ أَيْ : بِوُجُودِهِ ، وَلَكِنَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَّفَنَا اسْمَهُ وَوُجُوبَ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، فَآمَنَّا بِالرَّسُولِ ، ثُمَّ بِالْكِتَابِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ ، وَبِالْمَلَكِ النَّازِلِ بِهِ ، فَلَوْ تَرَتَّبَ اللَّفْظُ عَلَى حَسَبِ إِيمَانِنَا لَبَدَأَ بِالرَّسُولِ قَبْلَ الْكِتَابِ ، وَلَكِنْ إِنَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى حَسَبِ إِيمَانِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي هُوَ إِمَامُ الْمُؤْمِنِينَ . ذَكَرَهُ
السُّهَيْلِيُّ فِي " أَمَالِيهِ " .
وَقَالَ غَيْرُهُ : فِي هَذَا التَّرْتِيبِ سِرٌّ لَطِيفٌ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النُّورَ وَالْكَمَالَ وَالرَّحْمَةَ وَالْخَيْرَ كُلَّهُ مُضَافٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَالْوَسَائِطُ فِي ذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ ، وَالْمُقَابِلُ لِتِلْكَ الرَّحْمَةِ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ ، فَلَا بُدَّ أَوَّلًا : مِنْ أَصْلٍ ، وَثَانِيًا : مِنْ وَسَائِطَ ، وَثَالِثًا : مِنْ حُصُولِ تِلْكَ الرَّحْمَةِ ، وَرَابِعًا : مِنْ وُصُولِهَا إِلَى الْمُقَابِلِ لَهَا ، وَالْأَصْلُ الْمُقْتَضِي لِلْخَيْرَاتِ وَالرَّحْمَةِ هُوَ اللَّهُ ، وَمِنْ أَعْظَمِ رَحْمَةٍ رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ إِنْزَالُ كُتُبِهِ إِلَيْهِمْ ، وَالْمُوَصِّلُ لَهَا هُمُ الْمَلَائِكَةُ ، وَالْمُقَابِلُ لَهَا الْمُنَزَّلَةُ عَلَيْهِمْ هُمُ الْأَنْبِيَاءُ ، فَجَاءَ التَّرْتِيبُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ .