أربعين ليلة : ذو الحجة وعشر من المحرم ، أو ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، قاله أبو العالية وأكثر المفسرين ، وقرأ علي وعيسى بن عمر بكسر باء ( أربعين ) شاذا اتباعا . ونصب ( أربعين ) على المفعول الثاني لواعدنا ، على أنها هي الموعودة ، أو على حذف مضاف ، التقدير : تمام ، أو انقضاء أربعين . حذف وأقيم المضاف إليه مقامه فأعرب إعرابه ، قاله الأخفش ، فيكون مثل قوله :
فواعديه سرحتي مالك أو النقا بينهما أسهلا
أي إتيان سرحتي مالك .
ولا يجوز نصب أربعين على الظرف لأنه ظرف معدود ، فيلزم وقوع العامل في كل فرد من أجزائه ، والمواعدة لم تقع كذلك . وليلة : منصوب على التمييز الجائي بعد تمام الاسم ، والعامل في هذا النوع من التمييز اسم العدد قبله ، شبه أربعين بضاربين ، ولا يجوز تقديم هذا النوع من التمييز على اسم العدد بإجماع ، ولا الفصل بينهما بالمجرور إلا ضرورة ، نحو :
على أنني بعدما قد مضى ثلاثون للهجر حولا كميلا
وعشرين منها أصبعا من ورائنا
ولا تعريف للتمييز ، خلافا لبعض الكوفيين وأبي الحسين بن الطراوة . وأول أصحابنا ما حكاه من قول العرب : ما فعلت العشرون الدرهم ، وما جاء نحو هذا ، مما يدل على التعريف ، وذلك مذكور في علم النحو . وكان تفسير الأربعين بليلة دون يوم ; لأن أول الشهر ليلة الهلال ، ولهذا أرخ بالليالي ، واعتماد العرب على الأهلة ، فصارت الأيام تبعا لليالي ، أو لأن الظلمة أقدم من الضوء بدليل ( أبو زيد الأنصاري وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ) ، أو دلالة على مواصلته الصوم ليلا ونهارا ; لأنه لو كان التفسير باليوم أمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل ، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه واصل أربعين ليلة بأيامها .
[ ص: 200 ] وهذه المواعدة للتكلم ، أو لإنزال التوراة . قال المهدوي : وكان ذلك بعد أن جاوز البحر ، وسأله قومه أن يأتيهم بكتاب من عند الله ، فخرج إلى الطور في سبعين رجلا من خيار بني إسرائيل ، وصعد الجبل وواعدهم إلى تمام أربعين ليلة ، فقعدوا فيما ذكره المفسرون عشرين يوما وعشرة ليال ، فقالوا : قد أخلفنا موعده . انتهى كلامه . وقال : لما دخل الزمخشري بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون ، ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه ، وعد الله أن ينزل عليهم التوراة ، وضرب له ميقاتا . انتهى .