[ ص: 81 ] الإصعاد : ابتداء السفر ، والمخرج . والصعود : مصدر صعد ، رقى من سفل إلى علو ، قاله الفراء ، وأبو حاتم ، . وقال والزجاج القتبي : أصعد : أبعد في الذهاب ، فكأنه إبعاد كإبعاد الارتفاع . قال :
ألا أيهذا السائلي أين صعدت فإن لها في أرض يثرب موعدا
وأنشد أبو عبيدة :
قد كنت تبكيني على الإصعاد فاليوم سرحت وصاح الحادي
وقال المفضل : صعد ، وأصعد ، وصعد بمعنى واحد . والصعيد : وجه الأرض . وصعدة : اسم من أسماء الأرض . وأصعد : معناه دخل في الصعيد .
فات الشيء : أعجز إدراكه ، وهو متعد ، ومصدره : فوت ، وهو قياس فعل المتعدي .
النعاس : النوم الخفيف . يقال : نعس ينعس نعاسا فهو ناعس ، ولا يقال : نعسان . وقال الفراء : قد سمعتها ، ولكني لا أشتهيها .
المضجع : المكان الذي يتكأ فيه للنوم ، ومنه : ( واهجروهن في المضاجع ) والمضاجع : المصارع ، وهي أماكن القتل ، سميت بذلك لضجعة المقتول فيها .
الغزو : القصد وكذلك المغزى ، ثم أطلق على قصد مخصوص وهو الإيقاع بالعدو . وتقول : غزا بني فلان ، أوقع بهم القتل والنهب وما أشبه ذلك . وغزى : جمع غاز ، كعاف وعفا . وقالوا : غزاء بالمد . وكلاهما لا ينقاس . أجرى جمع فاعل الصفة من المعتل اللام مجرى صحيحها ، كركع وصوام . والقياس : فعلة كقاض وقضاة . ويقال : أغزت الناقة : عسر لقاحها . وأتان مغزية : تأخر نتاجها ثم تنتج .
يقال : لأن الشيء يلين ، فهو لين . والمصدر : لين وليان بفتح اللام ، وأصله في الجرم ، وهو نعومته وانتفاء خشونته ، ولا يدرك إلا باللمس . ثم توسعوا ونقلوه إلى المعاني .
الفظاظة : الجفوة في المعاشرة قولا وفعلا . قال الشاعر في ابنة له :
أخشى فظاظة عم أو جفاء أخ وكنت أخشى عليها من أذى الكلم
الغلظ : أصله في الجرم ، وهو تكثر أجزائه . ثم يستعمل في قلة الانفعال والإشفاق والرحمة ، كما قال :
يبكي علينا ولا نبكي على أحد لنحن أغلظ أكبادا من الإبل
الانفضاض : التفرق . وفضضت الشيء كسرته ، وهو تفرقة أجزائه .
الخذل والخذلان : هو الترك في موضع يحتاج فيه إلى التارك . وأصله : من خذل الظبي ؛ ولهذا قيل لها : خاذل إذا تركتها أمها . وهذا على النسب ، أي ذات خذل ؛ لأن المتروكة هي الخاذل بمعنى مخذولة ، ويقال : خاذلة . قال الشاعر :
بجيد مغزلة أدماء خاذلة من الظباء تراعي شادنا خرقا
ويقال أيضا لها : خذول فعول ، بمعنى مفعول . قال :
خذول تراعي ربربا بخميلة تناول أطراف البريد وترتدي
الغلول : أخذ المال من الغنيمة في خفاء . والفعل منه غل يغل بضم الغين . والغل : الضغن ، والفعل منه غل يغل بكسر الغين . وقال أبو علي : تقول العرب : أغل الرجل إغلالا ، خان في الأمانة . قال النمر :
جزى الله عني جمرة بن نوفل جزاء مغل بالأمانة كاذب
وقال بعض النحويين : الغلول مأخوذ من الغلل وهو الماء الجاري في أصول الشجر والروح . ويقال أيضا في الغلول : أغل إغلالا وأغل الحارز ، سرق شيئا من اللحم مع الجلد . ويقال : أغله ، وجده غالا ، كقولك : أبخلته ، وجدته بخيلا . السخط مصدر سخط ، جاء على القياس . ويقال فيه : السخط بضم السين وسكون الخاء . ويقال : مات فلان في سخطة الملك ، أي في سخطه . والسخط الكراهة المفرطة ، ويقابله الرضا .
( والرسول يدعوكم في أخراكم إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ) هذه الجمل التي تضمنت [ ص: 82 ] التوبيخ والعتب الشديد . إذ هو تذكار بفرار من فر وبالغ في الهرب ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعوه إليه . فمن شدة الفرار واشتغاله بنفسه وهو يروم نجاتها لم يصغ إلى دعاء الرسول ، وهذا من أعظم العتب ، حيث فر والحالة أن رسول الله يدعوه إليه .
وقرأ الجمهور : تصعدون مضارع أصعد ، والهمزة في أصعد للدخول . أي : دخلتم في الصعيد ، ذهبتم فيه . كما تقول : أصبح زيد ، أي دخل في الصباح . فالمعنى : إذ تذهبون في الأرض . وتبين ذلك قراءة أبي : " إذ تصعدون في الوادي " . وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن ومجاهد وقتادة واليزيدي : تصعدون من صعد في الجبل ، إذا ارتقى إليه . وقرأ أبو حيرة : " تصعدون " من تصعد في السلم ، وأصله : تتصعدون ، فحذفت إحدى التاءين على الخلاف في ذلك ، أي تاء المضارعة ؟ أم تاء تفعل ؟ والجمع بينهما أنهم أولا أصعدوا في الوادي لما أرهقهم العدو ، وصعدوا في الجبل . وقرأ ابن محيصن وابن كثير في رواية شبل : يصعدون ولا يلوون بالياء على الخروج من الخطاب إلى الغائب . والعامل في " إذ " : اذكر محذوفة ، أو عصيتم ، أو تنازعتم ، أو فشلتم ، أو عفا عنكم ، أو ليبتليكم ، أو صرفكم ، وهذان عن ، وما قبله عن الزمخشري ابن عطية . والثلاثة قبله بعيدة لطول الفصل . والأول جيد ؛ لأن ما قبل " إذ " جمل مستقلة يحسن السكوت عليها ، فليس لها تعلق إعرابي بما بعدها ، إنما تتعلق به من حيث إن السياق كله في قصة واحدة . وتعلقه بصرفكم جيد من حيث المعنى ، وبعفا عنكم جيد من حيث القرب .
ومعنى " ولا تلوون على أحد " : أي لا ترجعون لأحد من شدة الفرار ، لوى بكذا : ذهب به ، ولوى عليه : كر عليه وعطف . وهذا أشد في المبالغة من قوله :
أخو الجهد لا يلوي على من تعذرا
لأنه في الآية نفي عام ، وفي هذا نفي خاص ، وهو على من تعذرا ، وقال دريد بن الصمة :
وهل يرد المنهزم شيء
وقرئ " تلئون " بإبدال الواو همزة وذلك لكراهة اجتماع الواوين ، وقياس هذه الواو المضمومة أن لا تبدل همزة ؛ لأن الضمة فيها عارضة ، ومتى وقعت الواو غير أول وهي مضمومة فلا يجوز الإبدال منها همزة إلا بشرطين أحدهما : أن تكون الضمة لازمة ، الثاني : أن لا تكون يمكن تخفيفها بالإسكان . مثال ذلك : فووج وفوول . وغوور . فهنا يجوز فئوج وقئول وغئور بالهمز . ومثل كونها عارضة : هذا دلوك . ومثل إمكان تخفيفها بالإسكان : هذا سور ، ونور ، جمع سوار ونوار . فإنك تقول فيهما : سور ونور . ونبه بعض أصحابنا على شرط آخر وهو لا بد منه ، وهو : أن لا يكون مدغما فيها نحو : تعوذ ، فلا يجوز فيه تعؤذ بإبدال الواو المضمومة همزة . وزاد بعض النحويين شرطا آخر وهو : أن لا تكون الواو زائدة نحو : الترهوك ، وهذا الشرط ليس مجمعا عليه . وقرأ الحسن : تلون ، وخرجوها على قراءة من همز الواو ، ونقل الحركة إلى اللام ، وحذف الهمزة . قال ابن عطية : وحذفت إحدى الواوين الساكنتين ، وكان قد قال في هذه القراءة : هي قراءة متركبة على قراءة من همز الواو المضمومة ، ثم نقلت حركة الهمزة إلى اللام . انتهى . وهذا كلام عجيب تخيل هذا الرجل أنه قد نقلت الحركة إلى اللام فاجتمع واوان ساكنان ، إحداهما : الواو التي هي عين الكلمة ، والأخرى : واو الضمير ، فحذفت إحدى الواوين [ ص: 83 ] لأنهما ساكنتان ، وهذا قول من لم يمعن في صناعة النحو ؛ لأنها إذا كانت متركبة على لغة من همز الواو ثم نقل حركتها إلى اللام ، فإن الهمزة إذ ذاك تحذف ، ولا يلتقي واوان ساكنان . ولو قال : استثقلت الضمة على الواو ؛ لأن الضمة كأنها واو ، فصار ذلك كأنه جمع ثلاث واوات ، فتنقلب الضمة إلى اللام ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الأولى منهما ، ولم يبهم في قوله إحدى الواوين لأمكن ذلك في توجيه هذه القراءة الشاذة ، أما أن يبني ذلك على أنه على لغة من همز على زعمه ، فلا يتصور . ويحتمل أن يكون مضارع ولي وعدي بعلى ، على تضمين معنى العطف . أي : لا تعطفون على أحد . وقرأ الأعمش وأبو بكر في رواية عن عاصم : " تلوون " من ألوى ، وهي لغة في لوى . وظاهر قوله : " على أحد " العموم .
وقيل : المراد النبي - صلى الله عليه وسلم - وعبر بـ " أحد " عنه تعظيما له وصونا لاسمه أن يذكر عند ذهابهم عنه ، قاله ابن عباس والكلبي .
وقرأ حميد بن قيس " على أحد " بضم الهمزة والحاء ، وهو الجبل . قال ابن عطية : والقراءة الشهيرة أقوى ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على الجبل إلا بعد ما فر الناس عنه ، وهذه الحال من إصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم . انتهى . وقال غيره : الخطاب فيه لمن أمعن في الهرب ولم يصعد الجبل على من صعد . ويجوز أن يكون أراد بقوله : ولا تلوون على أحد ، أي من كان على جبل أحد ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه الذين صعدوا . وتلوون هو من لي العنق ؛ لأن من عرج على الشيء يلوي عنقه ، أو عنان دابته . والألف واللام في الرسول للعهد . ودعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روي أنه كان يقول : " إلي عباد الله " والناس يفرون عنه . وروي : " أي عباد الله ارجعوا " . قاله . وفي رواية : " ابن عباس ارجعوا إلي فإني رسول الله ، من يكر له الجنة " وهو قول السدي والربيع . قال القرطبي : وكان دعاؤه تغيير للمنكر ، ومحال أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه .
ومعنى في أخراكم : أي في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، وهي المتأخرة . يقال : جئت في آخر الناس وأخراهم ، كما تقول : في أولهم وأولاهم بتأويل مقدمتهم وجماعتهم الأولى . وفي قوله : " في أخراكم " دلالة عظيمة على شجاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن الوقوف على أعقاب الشجعان وهم فرار والثبات فيه إنما هو للأبطال الأنجاد ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشجع الناس . قال سلمة : كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
( فأثابكم غما بغم ) : الفاعل بأثابكم هو الله تعالى . وقال الفراء : الإثابة هنا بمعنى المغالبة . انتهى . وسمي الغم ثوابا على معنى أنه قائم في هذه النازلة مقام الثواب الذي كان يحصل لولا الفرار . فهو نظير قوله :
تحيــة بينهــم ضــرب وجيــع
وقوله :
أخاف زيادا أن يكون عطاؤه أداهم سودا أو محدرجة سمرا
جعل القيود والسياط عطاء ، ومحدرجة بمعنى مدحرجة . والباء في " بغم " إما أن تكون للمصاحبة ، أو للسبب . فإن كانت للمصاحبة وهي التي عبر بعضهم عنها بمعنى : مع ، والمعنى : غما مصاحبا لغم - فيكون الغمان إذ ذاك لهم ، فالأول هو ما أصابهم من الهزيمة والقتل ، والثاني : إشراف خالد بخيل المشركين عليهم ، قاله ، ابن عباس ومقاتل . وقيل : الغم الأول سببه فرارهم الأول ، والثاني سببه فرارهم حين سمعوا أن محمدا قد قتل . قاله مجاهد . وقيل : الأول ما فاتهم من الغنيمة وأصابهم من الجراح والقتل . والثاني حين سمعوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل ، قاله قتادة والربيع . وقيل عكس هذا الترتيب ، وعزاه ابن عطية إلى قتادة ومجاهد . وقيل : الأول ما فاتهم من الغنيمة والفتح . والثاني : إشراف أبي سفيان عليهم ، ذكره الثعلبي . وقيل : الأول هو قتلهم وجراحهم وكل ما جرى في ذلك المأزق . والثاني : إشراف أبي سفيان على النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه ، قاله السدي ومجاهد أيضا وغيرهما . وعبر عن [ ص: 84 ] هذا المعنى وهو اجتماع الغمين لهم بقوله : غما بعد غم ، وغما متصلا بغم ، من الاغتمام بما أرجف به من قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والجرح ، والقتل ، وظفر المشركين ، وفوت الغنيمة ، والنصر . انتهى كلامه . وقوله : غما بعد غم تفسير للمعنى ، لا تفسير إعراب ؛ لأن الباء لا تكون بمعنى بعد ، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك ؛ ولذلك قال بعضهم : إن المعنى غما على غم ، فينبغي أن يحمل على تفسير المعنى ، وإن كان بعضهم قد ذهب إلى ذلك . وإن كانت الباء للسبب وهي التي عبر بعضهم عنها أنها بمعنى الجزاء ، فيكون الغم الأول للصحابة . والثاني قال الزمخشري الحسن وغيره : متعلقه المشركون يوم بدر . والمعنى : أثابكم غما بالغم الذي أوقع على أيديكم بالكفار يوم بدر . قال ابن عطية : فالباء على هذا باء معادلة ، كما قال أبو سفيان يوم بدر : والحرب سجال . وقال قوم منهم ، وتبعه الزجاج : متعلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمعنى : جازاكم غما بسبب الغم الذي أدخلتموه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر المؤمنين بفشلكم وتنازعكم وعصيانكم . قال الزمخشري : ويجوز أن يكون الضمير في : فأثابكم للرسول ، أي فآساكم في الاغتمام ، وكما غمكم ما نزل به من كسر الرباعية والشجة وغيرهما غمه ما نزل بكم ، فأثابكم عما اغتمه لأجلكم بسبب غم اغتممتموه لأجله ، ولم يثر بكم على عصيانكم ومخالفتكم ، وإنما فعل ذلك ليسليكم وينفس عنكم ؛ كيلا تحزنوا على ما فاتكم من نصر الله ، ولا على ما أصابكم من غلبة العدو . انتهى كلامه . وهو خلاف الظاهر ؛ لأن المسند إليه الأفعال السابقة هو الله تعالى ، وذلك في قوله : ( الزمخشري ولقد صدقكم الله وعده ) وقوله : ( ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ) ( ولقد عفا عنكم والله ) فيكون قوله : " فأثابكم " مسندا إلى الله تعالى . وذكر الرسول إنما جاء في جملة حالية نعى عليهم فرارهم مع كون من اهتدوا على يده يدعوهم ، فلم يجئ مقصودا لأن يحدث عنه ، إنما الجملة التي ذكر فيها في تقدير المفرد ؛ إذ هي حال . وقال : " فأثابكم " عطف على " صرفكم " . انتهى ، وفيه بعد ؛ لطول الفصل بين المتعاطفين . والذي يظهر أنه معطوف على " الزمخشري تصعدون ولا تلوون " ؛ لأنه مضارع في معنى الماضي ؛ لأن " إذ " تصرف المضارع إلى الماضي ، إذ هي ظرف لما مضى . والمعنى : إذ صعدتم وما لويتم على أحد فأثابكم .
( لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم ) : اللام لام كي ، وتتعلق بقوله : فأثابكم . فقيل : " لا " زائدة ؛ لأنه لا يترتب على الاغتمام انتفاء الحزن . فالمعنى : على أنه غمهم ليحزنهم عقوبة لهم على تركهم موافقتهم . قاله [ ص: 85 ] أبو البقاء وغيره . وتكون كهي في قوله : ( لئلا يعلم أهل الكتاب ) إذ تقديره : لأن يعلم . ويكون أعلمهم بذلك تبكيتا لهم ، وزجرا أن يعودوا لمثله . والجمهور على أن " لا " ثابتة على معناها من النفي . واختلفوا في تعليل الإثابة بانتفاء الحزن على ما ذكر . فقال : " الزمخشري لكيلا تحزنوا " لتتمرنوا على تجرع الغموم ، وتضروا باحتمال الشدائد ، فلا تحزنوا فيما بعد على فائت من المنافع ، ولا على مصيب من المضار . انتهى . فجعل العلة في الحقيقة ثبوتية ، وهي التمرن على تجرع الغموم والاعتياد لاحتمال الشدائد ، ورتب على ذلك انتفاء الحزن ، وجعل ظرف الحزن هو مستقبل لا تعلق به بقصة أحد ، بل لينتفي الحزن عنكم بعد هذه القصة . وقال ابن عطية : المعنى لتعلموا أن ما وقع بكم إنما هو بجنايتكم ، فأنتم آذيتم أنفسكم . وعادة البشر أن جاني الذنب يصبر للعقوبة ، وأكثر قلق المعاقب وحزنه إنما وقع هو مع ظنه البراءة بنفسه . انتهى . وهذا تفسير مخالف لتفسير . الزمخشري
ومن المفسرين من ذهب إلى أن قوله : " لكيلا تحزنوا " متعلق بقوله : ولقد عفا عنكم ، ويكون الله أعلمهم بذلك تسلية لمصابهم وعوضا لهم عن ما أصابهم من الغم ؛ لأن عفوه يذهب كل غم . وفيه بعد لطول الفصل ؛ ولأن ظاهره تعلقه بمجاوره وهو فأثابكم .
قال : والذي فاتهم من الغنيمة ، والذي أصابهم من الفشل والهزيمة ، ومما تحتمله الآية أنه لما ذكر إصعادهم وفرارهم مجدين في الهرب في حال دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - إليه بالرجوع عن الهرب والانحياز إلى فئته ، كان الجد في الهرب سببا لاتصال الغموم بهم ، وشغلهم بأنفسهم طلبا للنجاة من الموت ، فصار ذلك أي : شغلهم بأنفسهم واغتمامهم المتصل بهم من جهة خوف القتل سببا لانتفاء الحزن على فائت من الغنيمة ومصاب من الجراح والقتل لإخوانهم ، كأنه قيل : صاروا في حالة من اغتمامهم واهتمامهم بنجاة أنفسهم بحيث لا يخطر لهم ببال حزن على شيء فايت ولا مصاب وإن جل ، فقد شغلهم بأنفسهم لينتفي الحزن منهم . ابن عباس
( والله خبير بما تعملون ) هذه الجملة تقتضي تهديدا ، وخص العمل هنا وإن كان تعالى خبيرا بجميع الأحوال من الأعمال والأقوال والنيات - تنبيها على أعمالهم من تولية الأدبار والمبالغة في الفرار ، وهي أعمال تخشى عاقبتها وعقابها .