( ثم صرفكم عنهم ) أي جعلكم تنصرفون . ( ليبتليكم ) أي ليمتحن صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها . وقيل : صرفكم عنهم ، أي لم تتماد الكسرة عليكم فيستأصلوكم . وقيل : المعنى لم يكلفكم طلبهم عقيب انصرافهم . وتأولته المعتزلة على معنى : ثم انصرفتم عنهم ، فإضافته إلى الله تعالى بإخراجه الرعب من قلوب الكافرين ابتلاء للمؤمنين . وقيل : معنى ليبتليكم أي لينزل بكم ذلك البلاء من القتل والتمحيص . ( ولقد عفا عنكم ) قيل : عن عقوبتكم على فراركم ، ولم يؤاخذكم به . وقيل : برد العدو عنكم . وقيل : بترك الأمر بالعود إلى قتالهم من فوركم . وقيل : بترك الاستئصال بعد المعصية والمخالفة . فمعنى [ ص: 80 ] عفا عنكم : أبقى عليكم .
قال الحسن : قتل منهم جماعة سبعون ، وقتل عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وشج وجهه وكسرت رباعيته ، وإنما العفو إن لم يستأصلهم هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي سبيل الله غضاب لله يقاتلون أعداء الله ، نهوا عن شيء فضيعوه ، فوالله ما تركوا حتى غموا بهذا الغم ، يا فسق الفاسقين ! اليوم يحل كل كبيرة ، ويركب كل داهية ويسحب عليها ثيابه ، ويزعم أن لا بأس عليه ، فسوف يعلم . انتهى كلام الحسن . والظاهر أن العفو إنما هو عن الذنب ، أي لم يؤاخذكم بالعصيان . ويدل عليه قرينة قوله : وعصيتم . والمعنى : أن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بكم ، فعفا عنكم ، فهو إخبار بالعفو عما كان يستحق بالذنب من العقاب . وقال بهذا ، ابن جريج وابن إسحاق ، وجماعة . وفيه مع ذلك تحذير . ( والله ذو فضل على المؤمنين ) أي في الأحوال ، أو بالعفو .
وتضمنت هذه الآيات من البيان والبديع ضروبا : من ذلك الاستفهام الذي معناه الإنكار في : أم حسبتم . والتجنيس المماثل في : انقلبتم ، ومن ينقلب ، وفي : ثواب الدنيا وحسن ثواب . والمغاير في قولهم : إلا أن قالوا . وتسمية الشيء باسم سببه في : تمنون الموت أي الجهاد في سبيل الله ، وفي قوله : وثبت أقدامنا فيمن فسر ذلك بالقلوب ؛ لأن ثبات الأقدام متسبب عن ثبات القلوب . والالتفات في : وسنجزي الشاكرين . والتكرار في : ولما يعلم ، ويعلم ؛ لاختلاف المتعلق ، أو للتنبيه على فضل الصابر . وفي : أفإن مات أو قتل ؛ لأن العرف في الموت خلاف العرف في القتل ، والمعنى : مفارقة الروح الجسد ، فهو واحد . ومن في " ومن يرد ثواب " الجملتين ، وفي : ذنوبنا وإسرافنا في قول من سوى بينهما ، وفي : " ثواب " و " حسن الثواب " . وفي : لفظ الجلالة ، وفي : " منكم من يريد " ، الجملتين . والتقسيم في : " ومن يرد " وفي " منكم من يريد " . والاختصاص في : الشاكرين ، والصابرين ، والمؤمنين . والطباق في : " آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا " . والتشبيه في : يردوكم على أعقابكم ، شبه الرجوع عن الدين بالراجع القهقرى والذي حبط عمله بالكفر بالخاسر الذي ضاع ربحه ورأس ماله ، وبالمنقلب الذي يروح في طريق ويغدو في أخرى ، وفي قوله : سنلقى . وقيل : هذا كله استعارة . والحذف في عدة مواضع .