الحشر : جمع القوم من كل ناحية ، والمحشر مجتمعهم ، يقال منه : حشر يحشر ، وحشرات الأرض دوابها الصغار ، وقال الراغب : الحشر : ضم المفترق وسوقه ، وهو بمعنى الجمع الذي قلناه . الإعجاب : إفعال من العجب ، وأصله لما لم يكن مثله ، قاله المفضل ، وهو الاستحسان للشيء والميل إليه والتعظيم ، تقول أعجبني زيد . والهمزة فيه للتعدي ، وقال الراغب : العجب حيرة تعرض للإنسان بسبب الشيء وليس هو شيئا له في ذاته حالة ، بل هو بحسب الإضافات إلى من يعرف السبب ، ومن لا يعرفه . وحقيقة أعجبني كذا ، أي : ظهر لي ظهورا لم أعرف سببه ، انتهى كلامه . وقد يقال عجبت من كذا في الإنكار ، كما قال : زياد الأعجم
عجبت والدهر كثير عجبه من عنزي سبني لم أضربه
اللدد : شدة الخصومة ، يقال : لددت تلد لددا ولدادة ، ورجل ألد وامرأة لداء ، ورجال ونساء لد ، ورجل التدد ويلتدد أيضا شديد الخصومة ، وإذا غلب خصمه قيل : لده يلده ، متعديا ، وقال الراجز :
يلد أقران الرجال اللدد
واشتقاقه من لديدي العنق ، وهما صفحتاه ، قاله ، وقيل : من لديدي الوادي وهما جانباه ، سميا بذلك لاعوجاجهما ، وقيل : هو من لده حبسه ، فكأنه يحبس خصمه عن مفاوضته ومقاومته . الزجاج
الخصام : مصدر خاصم ، وجمع خصم يقال : خصم وخصوم وخصام ، كبحر وبحور وبحار ، والأصل في الخصومة التعميق في البحث عن الشيء ، ولذلك قيل : في زوايا الأوعية : خصوم ، الواحد . خصم .
النسل : مصدر نسل ينسل ، وأصله الخروج بسرعة ، ومنه قولهم : نسل وبر البعير ، وشعر الحمار ، وريش الطائر : خرج فسقط منه ، وقيل : النسل الخروج متتابعا ، ومنه نسال الطائر ما تتابع سقوطه من ريشه ، وقال :
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
والإطلاق على الولد نسلا من إطلاق المصدر على المفعول ، يسمى بذلك لخروجه من ظهر الأب ، وسقوطه من بطن الأم بسرعة .
جهنم : علم للنار وقيل : اسم الدرك الأسفل فيها ، وهي عربية مشتقة من قولهم ركية جهنام إذا كانت بعيدة القعر ، وقد سمي الرجل بجهنام أيضا فهو علم ، وكلاهما من الجهم وهو الكراهة والغلظة ، فالنون على هذا زائدة ، فوزنه فعنل ، وقد نصوا على أن جهناما وزنه فعنال . وقد ذهب بعض أصحابنا إلى أن فعنلا بناء مفقود في كلامهم ، وجعل دونكا فعللا ، كعدبس . والواو أصل في بنات الأربعة كهي في ورنتل ، والصحيح إثبات هذا البناء . وجاءت منه ألفاظ ، قالوا : ضغنط من الضغاطة ، وهي الضخامة ، وسفنج ، وهجنف للظليم [ ص: 109 ] والزونك : القصير سمي بذلك : لأنه يزوك في مشيته ، أي : يتبختر ، قال حسان :
أجمعت أنك أنت ألأم من مشى في فحش زانية وزوك غراب
وقال بعضهم في معناه : زونكى . وهذا كله يدل على زيادة النون في جهنم ، وامتنعت الصرف للعلمية والتأنيث ، وقيل : هي أعجمية وأصلها كهنام ، فعربت بإبدال من الكاف جيما . وبإسقاط الألف ، ومنعت الصرف على هذا للعجمة والعلمية . حسب : بمعنى كاف ، تقول أحسبني الشيء : كفاني ، فوقع حسب موقع محسب ، ويستعمل مبتدأ فيجر خبره بباء زائدة ، وإذا استعمل خبرا لا يزاد فيه الباء ، وصفة فيضاف ، ولا يتعرف إذا أضيف إلى معرفة ، تقول : مررت برجل حسبك ، ويجيء معه التمييز نحو : برجل حسبك من رجل ، ولا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث ، وإن كان صفة لمثنى أو مجموع أو مؤنث لأنه مصدر .
المهاد : الفراش وهو ما وطئ للنوم ، وقيل : هو جمع مهد ، وهو الموضع المهيأ للنوم . السلم : بكسر السين وفتحها : الصلح ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام ، وهو الانقياد . وحكى البصريون عن العرب : بنو فلان سلم وسلم بمعنى واحد ، ويطلق بالفتح والكسر على الإسلام ، قاله وجماعة من أهل اللغة ، وأنشدوا بعض قول الكسائي كندة :
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرينا
أي : للإسلام ، قال ذلك لما ارتدت كندة مع بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال آخر في الفتح : الأشعث بن قيس
شرائع السلم قد بانت معالمها فما يرى الكفر إلا من به خبل
يريد : الإسلام ؛ لأنه قابله بالكفر ، وقيل بالكسر : الإسلام وبالفتح : الصلح .
( كافة ) : هو اسم فاعل استعمل بمعنى : جميعا ، وأصل اشتقاقه من كف الشيء : منع من أخذه ، والكف المنع ، ومنه كفة القميص حاشيته ، ومنه الكف وهو طرف اليد : لأنه يكف بها عن سائر البدن ، ورجل مكفوف منع بصره أن ينظر ، ومنه كفة الميزان : لأنها تمنع الموزون أن ينتشر ، وقال بعض اللغويين : كفة بالضم لكل مستطيل ، وبالكسر لكل مستدير ، وكافة : مما لزم انتصابه على الحال نحو : قاطبة ، فإخراجها عن النصب حالا لحن .
التزيين : التحسين ، والزينة مما يتحسن به ويتجمل ، وفعل من الزين بمعنى الفعل المجرد ، والتضعيف فيه ليس للتعدية ، وكونه بمعنى المجرد وهو أحد المعاني التي جاءت لها فعل ، كقولهم : قدر الله ، وقدر ، وميز وماز ، وبشر وبشر ، ويبنى من الزين افتعل افتعالا ازدان بإبدال التاء دالا ، وهو لازم .
( واذكروا الله في أيام معدودات ) هذا رابع أمر بالذكر في هذه الآية ، والذكر هنا التكبير عند الجمرات وإدبار الصلاة وغير ذلك من أوقات الحج ، أو التكبير عقيب الصلوات المفروضة ، قولان . وعن عمر أنه كان يكبر بفسطاطه بمنى ، فيكبر من حوله حتى يكبر الناس في الطريق وفي الطواف ، والأيام المعدودات ثلاثة أيام بعد يوم النحر ، وليس يوم النحر من المعدودات ، هذا مذهب ، الشافعي وأحمد ، ومالك وأبي حنيفة ، قاله ، ابن عباس وعطاء ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وقتادة ، والسدي ، والربيع ، والضحاك . أو يوم النحر ويومان بعده ، قاله ، ابن عمر وعلي ، وقال : اذبح في أيها شئت ، أو يوم النحر وثلاثة أيام التشريق ، قاله المروزي . أو أيام العشر ، رواه مجاهد عن ، قيل : وقولهم أيام العشر غلط من الرواة ، وقال ابن عباس ابن عطية : إما أن يكون من تصحيف النسخة ، وإما أن يريد العشر الذي بعد يوم النحر ، وفي ذلك بعد . وتكلم المفسرون هنا على قوله : ( في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) ، ونحن نؤخر الكلام على ذلك إلى مكانه إن شاء الله . واستدل ابن عطية للقول الأول ، وهو أن الأيام المعدودات ، أيام التشريق [ ص: 110 ] وهي الثلاثة بعد يوم النحر ، وليس يوم النحر منها . بأن قال : ودل على ذلك إجماع الناس على أنه لا ينفر أحد يوم القر . وهو ثاني يوم النحر ، ولو كان يوم النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجلا يوم القر : لأنه قد أخذ يومين من المعدودات ، انتهى كلامه . ولا يلزم ما قاله : لأن قوله فمن تعجل في يومين ، لا يمكن حمله على ظاهره : لأن الظرف المبني إذا عمل فيه الفعل فلا بد من وقوعه في كل واحد من اليومين ، لو قلت : ضربت زيدا يومين ، فلا بد من وقوع الضرب به في كل واحد من اليومين ، وهنا لا يمكن ذلك : لأن التعجيل بالنفر لم يقع في كل واحد من اليومين ، فلا بد من ارتكاب مجاز ، إما بأن يجعل وقوعه في أحدهما ، كأنه وقوع فيهما ، ويصير نظير : ( نسيا حوتهما ) ، و ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ، وإنما الناسي أحدهما ، وكذلك إنما يخرجان من أحدهما . أو بأن يجعل ذلك على حذف مضاف ، التقدير : فمن تعجل في ثاني يومين بعد يوم النحر ، فيكون اليوم الذي بعد يوم القر المتعجل فيه ، ويحتمل أن يكون المحذوف : في تمام يومين أو إكمال يومين ، فلا يلزم أن يقع التعجل في شيء من اليومين ، بل بعدهما . وعلى هذا يصح أن يعد يوم النحر من الأيام المعدودات ، ولا يلزم أن يكون النفر يوم القر ، كما ذكره ابن عطية .
وظاهر قوله ( واذكروا الله في أيام معدودات ) ، الأمر بمطلق ذكر الله في أيام معدودات ، ولم يبين ما هذه الأيام ، لكن قوله : ( فمن تعجل في يومين ) ، يشعر أن تلك الأيام هي التي ينفر فيها ، وهي أيام التشريق ، وقد قال في ( ري الظمآن ) : أجمع المفسرون على أن الأيام المعدودات ، انتهى . أيام التشريق
وجعل الأيام ظرفا للذكر ، يدل على أنه متى ذكر الله في تلك الأيام فهو المطلوب ، ويشعر أنه عند رمي الجمار ، كون الرمي غير محصور بوقت ، فناسب وقوعه في أي وقت من الأيام ذكر الله فيه ، ويؤيده قوله : ( فمن تعجل في يومين ) ، وأن الخطاب بقوله : واذكروا ظاهر أنه للحجاج ، إذ الكلام معهم والخطاب قبل لهم ، والإخبار بعد عنهم ، فلا يدخل غيرهم معهم في هذا الذكر المأمور به . ومن حمل الذكر هنا على أنه الذكر المشروع عقب الصلاة ، فهو منهم في الوقت وفي الكيفية . أما وقته : فمن صلاة الصبح يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله عمر ، وعلي ، ، أو من غداة وابن عباس عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر ، قاله ، ابن مسعود وعلقمة ، وأبو حنيفة . أو من صلاة الصبح يوم عرفة إلى أن يصلي الصبح آخر أيام التشريق ، وروي عن مالك هذا . أو من صلاة الظهر يوم النحر إلى الظهر من آخر أيام التشريق ، قاله . أو من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، قاله يحيى بن سعيد مالك ، . أو من ظهر يوم النحر إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله والشافعي . أو من ظهر يوم ابن شهاب عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق ، قاله . أو من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة الظهر من يوم النفر الأول ، قاله سعيد بن جبير الحسن . أو من صلاة الظهر يوم عرفة إلى صلاة الظهر يوم النحر ، قاله أبو وائل . أو من ظهر يوم النحر إلى آخر أيام التشريق ، قاله ، وبه أخذ زيد بن ثابت أبو يوسف في أحد قوليه .
وأما الكيفية : فمشهور مذهب مالك ثلاث تكبيرات ، وفي مذهبه أيضا رواية أنه يزيد بعدها : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولله الحمد . ومذهب أبي حنيفة ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر . ومذهب : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد . وقال الشافعي أبو حنيفة : يختص التكبير بأدبار الصلوات المكتوبة في جماعة ، وقال مالك : مفردا كان أو في جماعة عقب كل فريضة ، وبه قال ، الشافعي وأبو يوسف ، ومحمد ، وعن أحمد القولان . والمسافر كالمقيم في التكبير عند علماء الأمصار ، ومشاهير الصحابة ، والتابعين . وعن أبي حنيفة : أن المسافرين إذا صلوا جماعة لا تكبير عليهم ، فلو اقتدى مسافر بمقيم كبر ، وينبغي أن يكبر عقب السلام ، والجمهور يعمل شيئا يقطع به الصلاة من [ ص: 111 ] الكلام وغيره ، وقيل : استدبار القبلة ، والجمهور على ذلك ، فإن نسي التكبير حين فرغ ، وذكر قبل أن يخرج من المجلس فينبغي أن يكبر . وقال مالك في ( المختصر ) : يكبر ما دام في مجلسه ، فإذا قام منه فلا شيء عليه ، وقال في ( المدونة ) : إن نسيه وكان قريبا قعد فكبر ، أو تباعد فلا شيء عليه ، وإن ذهب الإمام والقوم جلوس فليكبروا ، وكذلك قال أبو حنيفة ، ومن نسي صلاة في أيام التشريق من تلك السنة قضاها وكبر ، وإن قضى بعدها لم يكبر ، ودلائل هذه المسائل مذكورة في كتب الفقة . والذي يظهر ما قدمناه من أن هذا الخطاب هو للحجاج ، وأن هذا الذكر هو ما يختص به الحاج من أفعال الحج ، سواء كان الذكر عند الرمي أم عند أعقاب الصلوات ، وأنه لا يشركهم غيرهم في الذكر المأمور به إلا بدليل ، وأن الذكر في أيام منى ، وفي يوم النحر عقب الصلوات لغير الحجاج ، وتعيين كيفية الذكر وابتدائه وانتهائه يحتاج إلى دليل سمعي .