( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) الألف واللام في الشهر للعهد ، ويعني به شهر رمضان ، ولذلك ينوب عنه الضمير ، ولو جاء : فمن شهده منكم فليصمه لكان صحيحا ، وإنما أبرزه ظاهرا للتنويه به والتعظيم له ، وحسن له أيضا كونه من جملة ثانية . ومعنى شهود الشهر الحضور فيه . فانتصاب الشهر على الظرف ، والمعنى : أن المقيم في شهر رمضان إذا كان بصفة التكليف يجب عليه الصوم ، إذ الأمر يقتضي الوجوب ، وهو قوله " فليصمه " وقالوا على انتصاب الشهر : أنه مفعول به ، وهو على حذف مضاف ، أي : فمن شهد ، حذف مفعوله تقديره المصر أو البلد .
وقيل انتصاب الشهر على أنه مفعول به ، وهو على حذف مضاف ، أي : فمن شهد منكم دخول الشهر عليه وهو مقيم لزمه الصوم ، وقالوا : يتم الصوم من دخل عليه رمضان وهو مقيم ، أقام أم سافر ، وإنما يفطر في السفر من دخل عليه رمضان وهو في سفر ، وإلى هذا ذهب علي ، ، وابن عباس ، وعبيدة السلماني والنخعي ، والسدي ، والجمهور على أن من شهد أول الشهر أو آخره فليصم ما دام مقيما . وقال : الشهر منصوب على الظرف ، وكذلك الهاء في " فليصمه " ، ولا يكون مفعولا به ، كقولك : شهدت الجمعة : لأن المقيم والمسافر كلاهما شاهدان للشهر ، انتهى كلامه . وقد تقدم أن ذلك يكون على حذف مضاف تقديره : فمن شهد منكم دخول الشهر ، أي : من حضر . وقيل : التقدير هلال الشهر ، وهذا ضعيف : لأنك لا تقول شهدت الهلال ، إنما تقول : شاهدت : ولأنه كان يلزم الصوم كل من شهد الهلال وليس كذلك . ومنكم ، في موضع الحال من الضمير المستكن في شهد ، فيتعلق بمحذوف تقديره كائنا منكم . الزمخشري
وقال أبو البقاء ، منكم حال من الفاعل وهي متعلقة بشهد ، فتناقض ، لأن جعلها حالا يوجب أن يكون العامل محذوفا ، وجعلها متعلقة بشهد يوجب أن لا يكون حالا ، فتناقض . و " من " من قوله " فمن شهد " الظاهر أنها شرطية ، ويجوز أن تكون موصولة ، وقد مر نظائره . وقرأ الجمهور بسكون اللام في : فليصمه ، أجروا ذلك مجرى " فعل " فخففوا ، وأصلها الكسر ، وقرأ ، أبو عبد الرحمن السلمي والحسن ، ، والزهري وأبو حيوة ، ، وكذلك قرءوا لام الأمر في جميع القرآن نحو : ( وعيسى الثقفي فليكتب وليملل ) بالكسر ، وكسر لام الأمر ، وهو مشهور لغة العرب ، وعلة ذلك ذكرت في النحو . ونقل صاحب التسهيل أن فتح لام الأمر لغة ، وعن ابنه أن تلك لغة بني سليم . وقال : حكاها الفراء . وظاهر كلامهما الإطلاق في أن فتح اللام لغة ، ونقل صاحب كتاب الإعراب ، وهو أبو الحكم بن عذرة الخضراوي ، عن الفراء أن من العرب من يفتح هذه اللام لفتحة الياء بعدها ، قال : فلا يكون على هذا الفتح إن انكسر ما بعدها أو ضم ، انتهى كلامه . وذلك نحو : لينبذن ، ولتكرم زيدا ، وليكرم عمرا وخالدا ، وقوموا فلأصل لكم .
( ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ) تقدم تفسير هذه الجملة ، وذكر فائدة تكرارها على تقدير : أن شهر رمضان هو قوله " أياما معدودات " ، فأغنى ذلك عن إعادته هنا .