( وسقاهم ربهم شرابا طهورا ) طهور صفة مبالغة في الطهارة ، وهي من فعل لازم ، وطهارتها بكونها لم يؤمر باجتنابها ، وليست كخمر الدنيا التي هي في الشرع رجس ، أو لكونها لم تدس برجل دنسة ، ولم تمس بيد وضرة ، ولم توضع في إناء لم يعن بتنظيفه ، ذكره بأبسط من هذا ثم قال : أو لأنه لا يئول إلى النجاسة ؛ لأنه يرشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك . انتهى . وهذا الآخر قاله الزمخشري ، أبو قلابة والنخعي ، ، قالوا : لا تنقلب إلى البول ، بل تكون رشحا من الأبدان أطيب من المسك ( إن هذا ) : أي النعيم السرمدي ( وإبراهيم التيمي كان لكم جزاء ) : أي لأعمالكم الصالحة ( وكان سعيكم مشكورا ) : أي مقبولا مثابا ، قال قتادة : لقد شكر الله سعيا قليلا ، وهذا على إضمار يقال لهم ، وهذا القول لهم هو على سبيل التهنئة والسرور لهم بضد ما يقال للمعاقب : إن هذا بعملك الرديء ، فيزداد غما وحزنا .
ولما ذكر أولا حال الإنسان وقسمه إلى العاصي والطائع ذكر ما شرف به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن ) وأمره بالصبر بحكمه ، وجاء التوكيد بإن لمضمون الخبر ومدلول المخبر عنه ، وأكد الفعل بالمصدر ( ولا تطع منهم آثما أو كفورا ) قال قتادة : نزلت في أبي جهل ، قال : إن رأيت محمدا يصلي لأطأن على عنقه ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تطع ) الآية . والنهي عن طاعة كل واحد منهما أبلغ من النهي عن طاعتهما ؛ لأنه يستلزم النهي عن أحدهما ، لأن في طاعتهما طاعة أحدهما ، ولو قال : لا تضرب زيدا وعمرا لجاز أن يكون نهيا عن ضربهما جميعا لا عن ضرب أحدهما ، وقال أبو عبيدة : أو بمعنى الواو ، والكفور وإن كان إثما ، فإن فيه مبالغة في الكفر ، ولما كان وصف الكفور مباينا للموصوف لمجرد الإثم ، صلح التغاير فحسن العطف .
وقيل : الآثم عتبة ، والكفور الوليد ؛ لأن عتبة كان ركابا للمآثم متعاطيا لأنواع الفسوق ، وكان الوليد غاليا في الكفر ، شديد الشكيمة في العتو .
( واذكر اسم ربك بكرة ) : يعني صلاة الصبح ، ( وأصيلا ) : الظهر والعصر ، ( ومن الليل ) : المغرب والعشاء ، وقال ابن زيد وغيره : كان ذلك فرضا ونسخ ، فلا فرض إلا الخمس ، وقال قوم : هو محكم على وجه الندب ( إن هؤلاء ) : إشارة إلى الكفرة ( يحبون العاجلة ) : يؤثرونها على الدنيا ( ويذرون وراءهم ) : أي أمامهم ، وهو ما يستقبلون من الزمان ( يوما ثقيلا ) : استعير الثقل لليوم لشدته ، وهوله من ثقل الجرم الذي يتعب حامله ، وتقدم شرح الأسر في سورة القتال ( وإذا شئنا ) : أي تبديل أمثالهم بإهلاكهم ( بدلنا أمثالهم ) ممن يطيع ، وقال : وحقه أن يجيء بإن لا بإذا ، كقوله : ( الزمخشري وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ) ، ( إن يشأ يذهبكم ) انتهى ، يعني أنهم قالوا : إن إذا للمحقق وإن للممكن ، وهو تعالى لم يشأ ، لكنه قد توضع إذا موضع إن ، وإن موضع إذا ، كقوله : ( أفإن مت فهم الخالدون ) ، ( إن هذه ) : أي السورة ، أو آيات القرآن أو جملة الشريعة ليس على جهة التخيير ، بل على جهة التحذير من اتخاذ غير سبيل الله ، وقال : لمن شاء ممن اختار الخير لنفسه والعاقبة ، واتخاذ السبيل إلى الله عبارة عن التقرب إليه والتوسل بالطاعة ، ( الزمخشري وما تشاءون ) : الطاعة ، ( إلا أن يشاء الله ) ، يقسرهم عليها ، ( إن الله كان عليما ) بأحوالهم وما يكون منهم ( حكيما ) حيث خلقهم مع علمه بهم . انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال ، وقرأ العربيان وابن كثير : وما يشاءون بياء الغيبة ، وباقي السبعة : بتاء الخطاب ، ومذهب أهل السنة أنه نفي لقدرتهم على الاختراع وإيجاد المعاني في أنفسهم ، ولا يرد هذا وجود ما لهم من الاكتساب ، وقال : فإن قلت : ما محل ( الزمخشري أن يشاء الله ) ؟ قلت : النصب على الظرف ، وأصله : إلا وقت مشيئة الله ، وكذلك قرأ : إلا ما يشاء الله ، [ ص: 402 ] لأن ما مع الفعل كان معه . انتهى . ونصوا على أنه لا يقوم مقام الظرف إلا المصدر المصرح به ، كقولك : أجيئك صياح الديك ، ولا يجيزون : أجيئك أن يصيح الديك ، ولا ما يصيح الديك ، فعلى هذا لا يجوز ما قاله ابن مسعود . ( الزمخشري يدخل من يشاء في رحمته ) : وهم المؤمنون . وقرأ الجمهور : ( والظالمين ) نصبا بإضمار فعل يفسره قوله : ( أعد لهم ) ، وتقديره : ويعذب الظالمين ، وهو من باب الاشتغال جملة عطف فعلية على جملة فعلية ، وقرأ ابن الزبير وأبان بن عثمان : والظالمون . عطف جملة اسمية على فعلية ، وهو جائز حسن ، وقرأ وابن أبي عبلة عبد الله : وللظالمين بلام الجر ، وهو متعلق بأعد لهم توكيدا ، ولا يجوز أن يكون من باب الاشتغال ، ويقدر فعل يفسره الفعل الذي بعده ، فيكون التقدير : وأعد للظالمين أعد لهم ، وهذا مذهب الجمهور ، وفيه خلاف ضعيف مذكور في النحو ، فتقول : بزيد مررت به ، ويكون التقدير : مررت بزيد مررت به ، ويكون من باب الاشتغال ، والمحفوظ المعروف عن العرب نصب الاسم وتفسير مررت المتأخر ، وما أشبهه من جهة المعنى فعلا ماضيا .