( بسم الله الرحمن الرحيم )
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون .
العهن : الصوف دون تقييد ، أو الأحمر ، أو المصبوغ ألوانا ، أقوال . الفصيلة ، قال ثعلب : الآباء الأدنون . وقال أبو عبيدة : الفخذ . وقيل : عشيرته الأقربون . لظى : اسم لجهنم ، أو للدركة الثانية من دركاتها ، وهو علم منقول من اللظى ، وهو اللهب ، ومنع الصرف هو للعلمية والتأنيث . والشوى جمع شواة ، وهي جلدة الرأس . وقال الأعشى :
قالت قتيلة ما له قد جللت شيبا شواته
والشوى : جلد الإنسان ، والشوى : قوائم الحيوان ، والشوى : كل عضو ليس بمقتل ، ومنه : رمى فأشوى : إذا لم يصب المقتل ، والشوى : زوال المال ، والشوى : الشيء الهين اليسير . الهلع : الفزع والاضطراب السريع عند مس المكروه ، والمنع السريع عند مس الخير ، من قولهم : ناقة هلوع ، سريعة السير . وقال أبو عبيدة : الهلع في اللغة أشد الحرص وأسوأ الجزع . الجزع : الخوف ، قال الشاعر :
جزعت ولم أجزع من البين مجزعا
عزين جمع عزة ، قال أبو عبيدة : جماعات في تفرقة ، [ ص: 331 ] وقيل : الجمع اليسير كثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة . وقال الأصمعي : في الدار عزون أي : أصناف من الناس ، وقال عنترة :
وقرن قد تركت لذي ولي عليه الطير كالعصب العزين
( وقال الراعي ) :
أخليفة الرحمن إن عشيرتي أمسى سوامهم عزين فلولا
( وقال ) : الكميت
ونحن وجندل باغ تركنا كتائب جندل شتى عزينا
( وقال آخر ) :
ترانا عنده والليل داج على أبوابه حلقا عزينا
( وقال آخر ) :
فلما أن أتين على أضاح ضرحن حصاه أشتاتا عزينا
و ( عزة ) مما حذفت لامه ، فقيل : هي واو وأصله عزوة ، كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى ، فهم متفرقون . ويقال : عزاه يعزوه : إذا أضافه إلى غيره . وقيل : لامها هاء والأصل عزهة ، وجمعت عزة بالواو والنون ، كما جمعت سنة وأخواتها بذلك ، وتكسر العين في الجمع وتضم . وقالوا : عزى على فعل ، ولم يقولوا عزات .
واقع سأل سائل بعذاب للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون .
[ ص: 332 ] هذه السورة مكية . قال الجمهور : نزلت في النضر بن الحارث حين قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك الآية . وقال : في الربيع بن أنس أبي جهل . وقيل : في جماعة من قريش قالوا : اللهم إن كان هذا هو الحق الآية . وقيل : السائل نوح - عليه السلام - سأل العذاب على الكافرين . وقيل : السائل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل الله أن يشدد وطأته على مضر . الحديث ، فاستجاب الله دعوته . ومناسبة أولها لآخر ما قبلها : أنه لما ذكر وإنا لنعلم أن منكم مكذبين أخبر عن ما صدر عن بعض المكذبين بنقم الله ، وإن كان السائل نوحا - عليه السلام - أو الرسول ، صلى الله عليه وسلم . فناسب تكذيب المكذبين أن دعا عليهم رسولهم حتى يصابوا فيعرفوا صدق ما جاءهم به .
وقرأ الجمهور : ( سأل ) بالهمز أي : دعا داع ، من قولهم : دعا بكذا : إذا استدعاه وطلبه ، فالباء على أصلها . وقيل : المعنى بحث باحث واستفهم . قيل : فالباء بمعنى ( عن ) .
وقرأ نافع وابن عامر : ( سال ) بألف ، فيجوز أن يكون قد أبدلت همزته ألفا ، وهو بدل على غير قياس ، وإنما قياس هذا بين بين ، ويجوز أن يكون على لغة من قال : سلت أسال ، حكاها . وقال سيبويه : هي لغة الزمخشري قريش ، يقولون : سلت تسال ، وهما يتسايلان . انتهى . وينبغي أن يتثبت في قوله إنها لغة قريش ; لأن ما جاء في القرآن من باب السؤال هو مهموز أو أصله الهمز ، كقراءة من قرأ : وسلوا الله من فضله ، إذ لا يجوز أن يكون من سال التي عينها واو ، إذ كان يكون ذلك وسلوا الله مثل : خافوا الأمر ، فيبعد أن يجيء ذلك كله على لغة غير قريش ، وهم الذين نزل القرآن بلغتهم إلا يسيرا فيه لغة غيرهم . ثم جاء في كلام : وهما يتسايلان ، بالياء ، وأظنه من الناسخ ، وإنما هو يتساولان بالواو . فإن توافقت النسخ بالياء ، فيكون التحريف من الزمخشري . وعلى تقدير أنه من السؤال ، فسائل اسم فاعل منه ، وتقدم ذكر الخلاف في السائل من هو . وقيل : سال من السيلان ، ويؤيده قراءة الزمخشري : سال سايل . وقال ابن عباس : في جهنم واد يسمى سايلا وأخبر هنا عنه . قال زيد بن ثابت ابن عطية : ويحتمل إن لم يصح أمر الوادي أن يكون الإخبار عن نفوذ القدر بذلك العذاب قد استعير له السيل لما عهد من نفوذ السيل وتصميمه . وقال : والسيل مصدر في معنى السايل ، كالغور بمعنى الغاير ، والمعنى : اندفع عليهم وادي عذاب ، فذهب بهم وأهلكهم . انتهى . وإذا كان السائل هم الكفار ، فسؤالهم إنما كان على أنه كذب عندهم ، فأخبر تعالى أنه واقع وعيدا لهم . وقرأ الزمخشري أبي وعبد الله : سال سال ، مثل : مال ، بإلقاء صورة الهمزة ، وهي الياء من الخط تخفيفا . قيل : والمراد سائل . انتهى . ولم يحك هل قرأ بالهمز أو بإسقاطها البتة . فإن قرأ بالهمز فظاهر ، وإن قرأ بحذفها فهو مثل شاك شايك ، حذفت عينه واللام جرى فيها الإعراب ، والظاهر تعلق ( بعذاب ) بـ ( سال ) وقال أبو عبد الله الرازي : يتعلق بمصدر دل عليه فعله ، كأنه قيل : ما سؤاله ؟ فقيل : سؤاله بعذاب ، والظاهر اتصال الكافرين بـ ( واقع ) فيكون متعلقا به ، واللام للعلة ، أي : نازل بهم لأجلهم ، أي : لأجل كفرهم ، أو على أن اللام بمعنى ( على ) قاله بعض النحاة ، ويؤيده قراءة أبي : على الكافرين ، أو على أنه في موضع ، أي : واقع كائن للكافرين . وقال قتادة والحسن : المعنى كأن قائلا قال : لمن هذا العذاب الواقع ؟ فقيل : للكافرين . وقال : أو بالفعل ، أي دعاء للكافرين ، [ ص: 333 ] ثم قال : وعلى الثاني - وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين - قال : هو كلام مبتدأ جواب للسائل ، أي : هو للكافرين ، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا ، فعدي تعديته كأنه قال : دعا داع بعذاب من قولك : دعا بكذا : إذا استدعاه وطلبه ، ومنه قوله تعالى : الزمخشري يدعون فيها بكل فاكهة آمنين . انتهى . فعلى ما قرره أنه متعلق بـ ( دعا ) يعني بـ ( سال ) فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل ؟ أي هو للكافرين ؟ هذا لا يصح . فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده ، والأجود أن يكون ( من الله ) متعلقا بقوله : ( واقع ) . و ليس له دافع : جملة اعتراض بين العامل والمعمول . وقيل : يتعلق بدافع ، أي : من جهته إذا جاء وقته .