[ ص: 232 ] فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين
لما تضمن وصفه موسى بمهين ولا يكاد يبين أنه مكذب له دعواه الرسالة عن الله ، فرع عليه قوله " فلولا ألقي عليه أساورة من ذهب " ترقيا في إحالة كونه رسولا من الله ، وفرعون لجهله أو تجاهله يخيل لقومه أن للرسالة شعارا كشعار الملوك .
و لولا حرف تحضيض مستعمل في التعجيز مثل ما في قوله وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم .
والإلقاء : الرمي وهو مستعمل هنا في الإنزال ، أي هلا ألقي عليه من السماء أساورة من ذهب ، أي سوره الرب بها ليجعله ملكا على الأمة .
وقرأ الجمهور " أساورة " ، وقرأ حفص عن عاصم ويعقوب ( أسورة ) .
والأساورة : جمع أسوار لغة في سوار . وأصل الجمع أساوير مخفف بحذف إشباع الكسرة ثم عوض الهاء عن الحروف كما عوضت في زنادقة جمع زنديق إذ حقه زناديق . وأما سوار فيجمع على أسورة .
والسوار : حلقة عريضة من ذهب أو فضة تحيط بالرسغ ، وهو عند معظم الأمم من حلية النساء الحرائر ؛ ولذلك جاء في المثل " لو ذات سوار لطمتني " أي لو حرة لطمتني ، قاله أحد الأسرى لطمته أمة لقوم هو أسيرهم . وكان السوار من شعار الملوك بفارس ومصر يلبس الملك سوارين . وقد كان من شعار الفراعنة لبس سوارين أو أسورة من ذهب ، وربما جعلوا سوارين على الرسغين وآخرين على العضدين . فلما تخيل فرعون أن رتبة الرسالة مثل الملك حسب افتقادها هو من شعار الملوك عندهم أمارة على انتفاء الرسالة .
و " أو " للترديد ، أي إن لم تلق عليه أساورة من ذهب فلتجئ معه طوائف من الملائكة شاهدين له بالرسالة .
[ ص: 233 ] ولم أقف على أنهم كانوا يثبتون وجود الملائكة بالمعنى المعروف عند أهل الدين الإلهي فلعل فرعون ذكر الملائكة مجاراة لموسى إذ لعله سمع منه أن لله ملائكة أو نحو ذلك في مقام الدعوة ؛ فأراد إفحامه بأن يأتي معه بالملائكة الذين يظهرون له .
و " مقترنين " حال من " الملائكة " ، أي مقترنين معه ؛ فهذه الحال مؤكدة لمعنى " معه " لئلا يحمل معنى المعية على إرادة أن الملائكة تؤيده بالقول من قولهم : قرنته به فاقترن ، أي مقترنين بموسى وهو اقتران النصير لنصيره .