أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين
عطف إنكار على إنكار ، والواو عاطفة الجملة على الجملة وهي مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن للاستفهام الصدر ؛ وأصل الترتيب : وأمن ينشأ . وجملة الاستفهام معطوفة على الإنكار المقدر بعد ( أم ) في قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات ، ولذلك يكون من ينشأ في الحلية في محل نصب بفعل محذوف دل عليه فعل ( اتخذ ) [ ص: 181 ] في قوله : أم اتخذ مما يخلق بنات . والتقدير : أاتخذ من ينشأ في الحلية إلخ . ولك أن تجعل ( من ينشأ في الحلية ) بدلا من قوله : ( بنات ) بدلا مطابقا وأبرز العامل في البدل لتأكيد معنى الإنكار لا سيما وهو قد حذف من المبدل منه .
وإذ كان الإنكار إنما يتسلط على حكم الخبر كان موجب الإنكار الثاني مغايرا لموجب الإنكار الأول وإن كان الموصوف بما للوصفين اللذين تعلق بهما الإنكار موصوفا واحدا وهو الأنثى .
ونشء الشيء في حالة أن يكون ابتداء وجوده مقارنا لتلك الحالة فتكون للشيء بمنزلة الظرف . ولذلك اجتلب حرف ( في ) الدالة على الظرفية وإنما هي مستعارة لمعنى المصاحبة والملابسة فمعنى ( من ينشأ في الحلية ) من تجعل له الحلية من أول أوقات كونه ولا تفارقه ، فإن البنت تتخذ لها الحلية من أول عمرها وتستصحب في سائر أطوارها ، وحسبك أنها شقت طرفا أذنيها لتجعل لها فيهما الأقراط بخلاف الصبي فلا يحلى بمثل ذلك وما يستدام له .
والنشء في الحلية كناية عن الضعف عن مزاولة الصعاب بحسب الملازمة العرفية فيه . والمعنى : أن لا فائدة في اتخاذ الله بنات لا غناء لهن فلا يحصل له باتخاذها زيادة عزة ، بناء على متعارفهم ، فهذا احتجاج إقناعي خطابي .
والخصام ظاهره : المجادلة والمنازعة بالكلام والمحاجة ، فيكون المعنى : أن المرأة لا تبلغ المقدرة على إبانة حجتها . وعن قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها ، وعنه : من ينشأ في الحلية هن الجواري ، يسفههن بذلك ، وعلى هذا التفسير درج جميع المفسرين .
والمعنى عليه : أنهن غير قوادر على الانتصار بالقول فبالأولى لا يقدرن على ما هو أشد من ذلك في الحرب ، أي فلا جدوى لاتخاذهن أولادا .
ويجوز عندي أن يحمل الخصام على التقاتل والدفاع باليد فإن الخصم يطلق على المحارب ، قال تعالى : هذان خصمان اختصموا في ربهم فسر بأنهم نفر من المسلمين مع نفر من المشركين تقاتلوا يوم بدر .
[ ص: 182 ] فمعنى ( غير مبين ) غير محقق النصر . قال بعض العرب وقد بشر بولادة بنت : والله ما هي بنعم الولد ؛ بزها بكاء ونصرها سرقة .
والمقصود من هذا فضح معتقدهم الباطل وأنهم لا يحسنون إعمال الفكر في معتقداتهم وإلا لكانوا حين جعلوا لله بنوة أن لا يجعلوا له بنوة الإناث وهم يعدون الإناث مكروهات مستضعفات .
وتذكير ضمير ( وهو في الخصام ) مراعاة للفظ ( من ) الموصولة .
والحلية : اسم لما يتحلى به ، أي يتزين به ، قال تعالى : وتستخرجون منه حلية تلبسونها .
وقرأ الجمهور ( ينشأ ) بفتح الياء وسكون النون . وقرأه حفص وحمزة ( ينشأ ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ومعناه : يعوده على النشأة في الحلية ويربى . والكسائي